سريعا قررت القاهرة أن تتحرك للرد على العبث الإسرائيلى فى منابع النيل بعد الجولة الأفريقية الأخيرة لنتنياهو، وعلى الفور حزم وزير الخارجية، سامح شكرى، حقائبه متوجهاً إلى تل أبيب، حيث أعلن عن تحرك مصرى لإعادة إحياء عملية السلام فى المنطقة، كما هو معلن، فيما تؤكد المؤشرات أن ملف مياه النيل كان حاضراً بقوة فى جميع جلسات المباحثات التى أجراها فى إسرائيل.
المؤكد أن القاهرة بعثت خلال الجولة برسالة قوية وواضحة لتل أبيب بأن مياه النيل خط أحمر، وأن مصر لن تسمح بأى تهديد لأمنها المائى، خاصة فى ظل التحركات المصرية المتواصلة للتعامل مع أزمة سد النهضة، والذى تسعى أديس أبابا بقوة للانتهاء من تشييده، وهو ما يتوقع أن يؤثر سلباً على حصة مصر من مياه النيل.
وبحسب عدد من المواقع الإسرائيلية، فإن سامح شكرى أدار نقاشا واسعا مع نتنياهو حول الزيارة الأخيرة التى قام بها رئيس وزراء إسرائيل لأفريقيا، وأضافت هذه المواقع أن وزير الخارجية شدد على أن تقارب تل أبيب مع دول القارة السمراء لا يجب أن يكون على حساب المصالح المصرية.
كثيرة هى الأوراق التى تملكها مصر من أجل الدفاع عن حقوقها فى مياه النيل، ومن بينها تفعيل دورها فى إعادة إحياء عملية السلام فى الشرق الأوسط، والقيام بوساطة بين تل أبيب والفلسطينيين، بالإضافة إلى الدور الذى تقوم به القاهرة فى مواجهة التيارات التكفيرية المتطرفة، والتى باتت تشكل خطراً كبيراً على العديد من دول المنطقة ومن بينها إسرائيل.
إجمالا فإن مشهد جولة رئيس الوزراء الإسرائيلى الأفريقية الأخيرة بدا استعراضياً لأقصى مدى، حيث حرصت تل أبيب على أن تبعث للعديد من الأطراف العربية والدولية، وفى المقدمة منها القاهرة، برسالة واحدة تؤكد أن هناك وزناً كبيراً للدولة العبرية فى هذه المنطقة الحيوية من العالم، وأنها باتت رقماً أساسياً يجب وضعه فى الاعتبار، خاصة عند فتح أحد أكثر الملفات خطورة فى هذه البقعة من العالم وهو مياه نهر النيل.
اللافت للنظر أن جولة نتنياهو، والتى جرى تسويقها بكثافة خاصة فى وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، تأتى فى وقت تتسارع فيه خطى أديس أبابا من أجل الانتهاء من تشييد سد النهضة، فيما يزال التباين فى وجهات النظر مع القاهرة والهوة فى المواقف واسعة، رغم الجلسات التى تجمع الطرفين واللقاءات التى تجرى بين الحين والآخر بين مسئولى البلدين.
لا يمكن بالطبع قراءة الخطوة الإسرائيلية فى معزل عن التطورات المتلاحقة التى تشهدها المنطقة العربية والتى باتت ساحة جديدة للصراع بين الأطراف الدولية الفاعلة، حيث يسعى كل منها لإثبات وجوده وتأثيره عبر مزيد من التدخل فى شئونها وهو المشهد الذى يبدو متجسدا فى أوضح صوره على الأراضى السورية التى باتت ساحة مفتوحة للصراع المباشر وغير المباشر بين عدد كبير من الأطراف الدولية والإقليمية، والتى يسعى كل منها باستخدام طائراته وصواريخه لإثبات أنه رقم ضمن معسكر صانعى القرار فى العالم.
ورغم التدخل الإسرائيلى الواضح للعيان فى الشأن السورى، والذى يجرى بالتنسيق مع كل من موسكو وواشنطن ويتم الكشف عنه عبر إعلان تل أبيب بين فترة وأخرى عن قصفها أهدافا فى العمق السورى، فإن تل أبيب أرادت من جولة نتنياهو الأفريقية أن تؤكد أن حدود نفوذها تمتد بعيدا ولا تقتصر على المنطقة العربية، فالزيارة كشفت عن النفوذ الكبير الذى تتمتع به إسرائيل فى هذه المنطقة الحيوية من العالم.
وبالرغم من أن علاقات إسرائيل بإثيوبيا والعديد من دول حوض النيل يجرى الحديث عنها منذ سنوات طويلة، فإن جولة نتنياهو الأفريقية جاءت لتخرج الكثير من المسكوت عنه إلى دائرة العلن، فى تعبير عن مرحلة جديدة فى عمر الدولة العبرية بدا فيها وزنها فى القارة السمراء يفوق بكثير ما تتمتع به بعض دول القارة العجوز.
وبالرغم من العلاقات الجيدة التى تجمع القاهرة وتل أبيب فى الوقت الراهن، وفقاً لما شهد به سفير تل أبيب فى القاهرة مؤخراً، خاصة فى ظل تحدى الإرهاب الذى يواجه البلدين، فإن قلق القاهرة الرسمى والشعبى من تحرك نتنياهو فى منابع النيل وإن لم يكن معلنا فإنه لا يخفى على أحد خاصة فى ظل السد الاثيوبى والذى يتوقع أن يؤثر سلبا على حصة مياه مصر من مياه النيل.
مساعى تل أبيب لتعظيم نفوذها لا بعد مدى فى القارة السمراء بدا واضحا فى حصول رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو على تعهد واضح من إثيوبيا بدعم التحركات الإسرائيلية للحصول على وضع مراقب لدى الاتحاد الأفريقى، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي هايلى ميريام ديسالين، فى مؤتمر صحفى مشترك مع نتانياهو، "إسرائيل تعمل بجهد كبير فى عدد من البلدان الأفريقية، وليس هناك أى سبب لحرمانها من وضع المراقب".
ولكن يبدو ملف المياه فى مقدمة الأسباب المغذية للتحرك الإسرائيلى فى حوض النيل ولهذا السبب تسعى تل أبيب منذ سنوات طويلة وعبر خطوات متتابعة منذ سنوات طويلة لتثبيت أقدامها فى القاهرة السمراء، تاريخياً مرت المطامع الإسرائيلية فى مياه النيل بمراحل متعددة ففى عام 1974م طرح اليشع كالي وهو مهندس(إسرائيلى) تخطيطاً لمشروع يقضى بنقل مياه النيل إلى إسرائيل،ونشر المشروع تحت عنوان(مياه السلام) والذي يتلخص فى توسيع ترعة الإسماعيلية لزيادة تدفق المياه فيها،وتنقل هذه المياه عن طريق سحارة أسفل قناة السويس.
الخطوة الإسرائيلية الأخيرة تتطلب من القاهرة تحركاً عاجلاً من أجل حصار التمدد الإسرائيلى فى أفريقيا بشكل عام وفى دول حوض النيل بشكل خاص وذلك فى ظل الرغبة الإسرائيلية المتزايدة فى الهيمنة ومطامع تل أبيب التى لا تخفى على أحد فى مياه النيل وفى هذا الصدد فإن مصر تمتلك أوراقا كثيرة تمكنها من إحباط المساعى الإسرائيلية.
وفى مقدمة هذه الأوراق العلاقات الدينية التى تربط بين الكنيستين المصرية والإثيوبية، والعلاقات التاريخية التى تجمع الشعبين وفى هذا الإطار فإن وزارة الخارجية مطالبة بإعداد خطة متكاملة لمواجهة التحركات الإسرائيلية والحفاظ على المصالح المصرية، كما أن على القاهرة أيضاً أن تبذل جهوداً كبيرة من أجل عرقلة المساعى الأفريقية للحصول على عضوية الاتحاد الأفريقى بصفة مراقب.
شكرى يغادر إلى رواندا لحضور اجتماعات الدورة 27 لقمة الاتحاد الأفريقى