لم تلبث الدول الأفريقية تلتقط أنفاسها من الوباء العالمي، "فيروس كورونا" كوفيد 19 ومتحوراته، والذي كان - ولايزال - يؤثر علي كافة قطاعاتها، حتى أتت الحرب الروسية الأوكرانية لتقضي علي ما تبقي من بلدان الكثير من دول القارة السمراء المسخنة بالأزمات الداخلية.
ويومًا تلو الآخر، تتفاقم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير 2022 علي القارة الأفريقية، ما يدفع العديد من بلدانها للاستغاثة من انتشار الفقر وتفشي المجاعة خاصة في ظل ارتفاع غير مسبوق لأسعار المواد الأولية الزراعية والأسمدة والحبوب المستوردة، والنفط والغاز.
وبينما لم تحط الحرب المشتعلة أوزارها، ارتفعت أسعار النفط العالمية إلى مستويات لم تسجّلها طيلة عقد تقريبًا، متجاوزة 100 دولار للبرميل بعد وقت قصير من اندلاع الأزمة، ما وجه ضربة قوية للعديد من الشركات جنوب الصحراء، فضلا عن تأثيراته السلبية علي الاقتصاد الأفريقي.
ومن نيجيريا إلى مالاوي، أدت الأزمة والعقوبات الغربية علي روسيا لارتفاع أسعار المواد الأولية الزراعية والحبوب المستوردة، ففى نيجيريا إحدى أكبر الدول الأفريقية المنتجة للنفط وعضو أوبك، أعلنت شركات الطيران تعليق الرحلات الداخلية بسبب ارتفاع أسعار الكيروسين.
وكان الديزل يُباع بنحو 300 نيرة نيجيرية (0,72 سنتًا) للتر الواحد، لكنه أصبح الآن يُباع بـ730 نيرة (1,75 دولارًا) للتر.
ومع بدء الحرب تم بيع شوال دقيق القمح في كينيا من 150 إلى 172 شلن كيني (1,3 إلى 1,5 دولار أمريكي)، مقارنة بأقل من 140 شلن في فبراير الماضي، وعادة ما يحصل ثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا جنوب الصحراء على خُمس وارداته من القمح من روسيا و10% أخرى من أوكرانيا، بحسب الحكومة.
وفي العاصمة الأوغندية كمبالا، تسببت الأزمة بارتفاع أسعار الصابون والسكر والملح وزيت الطهي والوقود. وفي السابق صرح وزير المالية الأوغندية دافيد باهاتي: "إن معظم السلع الأساسية منتجة محليًا لكن بعض المكونات مستوردة وتتحدد أسعارها بفعل الصدمات في الأسواق الدولية".
ومع تحذيره من التضخم الناجم عن الأزمة، رفع البنك المركزي في موريشيوس سعر الفائدة الرئيسية إلى 2%، في أول ارتفاع منذ العام 2011. وذكر رئيس الحكومة في موريشيوس برافيند كومار جوغناوث في خطاب متلفز "من المؤسف أنه، بعد أن صفت السماء بعد كوفيد-19، ظهرت غيوم إضافية".
وفي العاصمة الصومالية مقديشو، ارتفعت أسعار الوقود وزيت الطهي ومواد البناء والكهرباء. وفي جنوب القارة الأفريقية، ارتفعت أسعار الخبز وزيت الطهي في مالاوي بمعدل 50%.
وفيما يخص المحروقات، شهدت عدة دول أفريقية مؤخرا ارتفاعا في أسعار المحروقات، ما أثر على أسعار المواد الغذائية وقفا لتقرير للوكالة الأفريقية بنا.
وفي دول غرب أفريقيا، كالنيجر ومالي والسنغال وبوركينا فاسو، وحتى بعض دول وسط القارة السمراء، شهدت أسعار المحروقات ارتفاعا، وفي بعض الأحيان ندرة في البنزين والوقود لدى محطات التوزيع.
وفي بوركينا فاسو أعلنت الحكومة قبل نحو شهرين، زيادة أسعار المحروقات بـ 100 فرنك غرب أفريقي (0،16 دولار)، أما في مالي المجاورة فشهدت العاصمة باماكو ومدن أخرى الأسبوع الماضي، ندرة في المحروقات، بعد إضراب بعض الموزعين.
وتسببت ندرة المحروقات في مالي في انقطاعات متواصلة للكهرباء في لعاصمة باماكو، قبل أن ترسل غينيا عشرات الشاحنات لتخفيف الأزمة التي يقول الماليون إن عقوبات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عمقتها، أما في توجو فواجه قرار السلطات زيادة أسعار المحروقات غضب السكان، الذين أظهروا تذمرا من الزيادة الأخيرة بعد أن وصل سعر ليتر الوقود إلى 625 فرنك.
ووفقا لتقرير الوكالة الأفريقية، فإن السنغال هي الأخرى لم تكن بمنأى عن تداعيات الحرب، ففي نهاية يوليو الماضي، أعلنت الشركة المسيرة لمطار داكار الدولي عن عجز في توفير وقود الطائرات، مشيرة إلى أن ذلك سيستمر لأسبوعين على الأقل.
وتواجه بعض الدول الأفريقية إلى جانب مشكل توريد المحروقات، مشكل سعة التخزين، حيث تصل في مالي إلى 40 ألف ميتر مكعب، وفي غينيا إلى 60 أف ميتر مكعب، في وقت يتزايد فيه الطلب على هذه المادة الحيوية.
وفي مواجهة الارتفاع العالمي لأسعرا المحروقات، اتخذت دول أخرى كموريتانيا إجراءات لإبقاء أسعار المحروقات على ما هي عليه، من خلال دعم الأسعار
وفي السابق طلب الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، السنغالي ماكي سال، من المستشار الألماني أولاف شولتز مساعدة برلين في مواجهة آثار الحرب في أوكرانيا على القارّة الإفريقية.
ونتيجة ذلك ستواجه ملايين الأسر صعوبات مالية يمكن أن تفاقم الغضب الاجتماعي في أنحاء القارة التي تضم غالبية أفقر دول العالم. وأضاف كبير الاقتصاديين في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في إفريقيا، ريموند غيلبين "نرى احتمال نشوب توترات في بؤر ساخنة مثل الساحل وأجزاء من وسط إفريقيا والقرن الإفريقي".
بدورها حذرت الأمم المتحدة وقالت مساعدة الأمين العام أهونا إيزياكونوا أن "بعض البلدان الإفريقية يستورد ما يصل إلى 80% من القمح من روسيا وأوكرانيا. مع الاضطرابات التي تحدث الآن، هناك حالة طوارئ بصدد التشكل".
وتساءلت إيزياكونوا المديرة الإقليمية لمكتب إفريقيا في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "أين تتجه هذه البلدان بين عشية وضحاها بحثًا عن سلع أساسية.. وأشدد على أنها سلع أساسية؟". و
لفتت المسؤولة إلى معدلات اقتراض شديدة الارتفاع لدول إفريقية.. وأضافت أهونا إيزياكونوا "إنها أعلى من أي مكان آخر في العالم.