لم تكن الروابط التى جمعت البرتغال بالبرازيل، محصورة باللغة والعلاقة الاستعمارية وإنما فى أن الاولى اكتسبت لقب منتخب "برازيل أوروبا" بفضل طريقة لعبها المثيرة والجميلة واللاعبين المهاريين الذين انتجتهم وعلى رأسهم القائد الحالى كريستيانو رونالدو والأسطورة اوزيبيو ولويس فيجو.
لكن هذه الجمالية لم تصل بالبرتغال إلى أى مكان وكل ما حققته على صعيد كأس العالم احتلالها المركز الثالث عام 1966 والرابع عام 2006 ووصولها الى نهائى كأس أوروبا عام 2004 على أرضها.
وادرك المدرب الحالى فرناندو سانتوس انه اذا اراد تحقيق شيء ما عليه اعتماد مقاربة مختلفة، او بالاحرى مقاربة مشابهة لما اعتمدته اليونان فى النهائيات القارية عام 2004 حين أسقطت البرتغال مرتين، فى الجولة الافتتاحية للدور الاول (2-1) والمباراة النهائية (1-صفر).
ويبدو أن البرتغاليين تعلموا "الدرس" اليونانى لكنهم انتظروا 12 عاما لتطبيقه بعد أن سئموا الاكتفاء بلعب دور المرشح الذى لا يرتقى فى نهاية المطاف الى مستوى التوقعات.
وقد أدرك البرتغاليون على الارجح ان البرازيليين "الاصيليين" لم يبقوا نفس البرازيليين الذين قدموا للعالم اجمل اللمحات الفنية فى كؤوس العالم وأكثر اللاعبين المهاريين دون ان يتمكنوا من رفع كأس العالم منذ 1970 ما دفعهم إلى تغيير اسلوبهم وهو الامر الذى أعطى ثماره عام 1994 حين أحرزوا لقبهم العالمى الرابع بركلات الترجيح على حساب إيطاليا قبل إضافة الخامس والاخير عام 2002 على حساب المانيا.
"الزحف" الى اللقب
ونجحت المقاربة التى اعتمدها سانتوس فى نهائيات فرنسا 2016 وتمكن المنتخب "القبيح" بحسبه من منح البرتغال لقبها الاول على الاطلاق والذى تحقق بعد ان "زحفت" بكل ما للكلمة من معنى لان وصولها الى دور الاربعة للمرة الرابعة فى النسخ الخمس الاخيرة والخامسة من اصل 7 مشاركات لم يكن "سلسا" على الاطلاق رغم ان طريقها لم تكن شائكة كثيرا.
ووصل كريستيانو رونالدو ورفاقه الى هذه المرحلة من البطولة بعد ان تخطوا الدور الاول بثلاثة تعادلات ثم اصطدموا بكرواتيا فى الدور الثانى واحتاجوا الى هدف من ريكاردو كواريسما فى الدقيقة 117 من الوقت الاضافى لكى يخرجوا فائزين فى مباراة كان المنافس الطرف الافضل فيها.
وحجز برازيليو اوروبا مقعدهم فى دور الاربعة عبر ركلات الترجيح بتخطيهم بولندا 5-3 بعد تعادل الطرفين 1-1 فى الوقتين الاصلى والإضافى فى لقاء كانت الافضلية فيه لروبرت ليفاندوفسكى ورفاقه قبل ان يدخل الشاب ريناتو سانشيز على الخط وينقذ فريق المدرب فرناندو سانتوس.
وكان الفوز على ويلز فى الدور نصف النهائى (2-صفر) الوحيد الذى تحققه البرتغال فى الوقت الاصلى لان مباراة التتويج ضد فرنسا حسمت فى الدقيقة 109 من الوقت الاضافى بفضل هدف البديل ايدير.
ومن المؤكد ان سانتوس لعب دورا هاما فى وصول بلاده الى هذه المرحلة بعدما زرع روح الوحدة فى الفريق وهو الذى درب المنتخب اليوناني، المثال الذى يحتذى به عندما يتحدث المرء عن "الزحف" لانه توج بلقب 2004 حين كان بقيادة المدرب الالمانى اوتو ريهاغل بعد ان انهى الدور الاول بفوز ضئيل على البرتغال بالذات (2-1) ثم تعادل مع إسبانيا (1-1) وخسر امام روسيا (1-2) قبل ان يتخطى فرنسا فى الدور ربع النهائى بهدف وحيد، وتشيكيا فى نصف النهائى بهدف فى الشوط الاضافى الاول ثم البرتغال مجددا فى النهائى بهدف انغيلوس خاريستياس.
واعترف حارس البرتغال السابق فيتور بايا بان "الانتقادات وجهت للمنتخب البرتغالى لأنه لم يقدم كرة جميلة وهذا صحيح لأنه لم يلعب بالأسلوب المغرى الذى كان يقدمه فى الفترة الاخيرة لكنه (الاسلوب) كان فعالا ويجب ان نشعر بالفخر لأننا نرى الآن فريقا" موحدا لا يعتمد على نجومية لاعب مثل رونالدو.
وواصل فى صحيفة "ريكورد" الرياضية البرتغالية: "بإمكاننا حتى أن نرى أن رونالدو أصبح يعتمد على الاخرين وليس العكس".
الجمالية او الفوز باللقب؟
وقد حدد سانتوس اولوياته بوضوح دون الاكتراث بالانتقادات، قائلا: "هل اريد ان نلعب بطريقة جميلة؟ نعم. لكن بين اللعب بطريقة جميلة والعودة الى وطننا او اللعب بطريقة بشعة والبقاء هنا، فانا افضل ان نلعب بطريقة بشعة".
ومع تجربته النادرة بإشرافه على تدريب الفرق الثلاثة الكبيرة فى البرتغال، بورتو وبنفيكا وسبورتينج لشبونة، عاد فرناندو سانتوس من "منفاه" فى اليونان لمحاولة الفوز مع منتخب بلاده بأول لقب له.
ورغم عقوبة الايقاف لثمانى مباريات، خفضت لمباراتين بعد الاستئناف، بسبب تهجمه على المسئولين عقب خسارة اليونان امام كوستاريكا بركلات الترجيح فى مونديال البرازيل 2014، لم يتردد الاتحاد البرتغالى فى التعاقد معه لقيادة المنتخب خلفا لباولو بنتو.
ونجح سانتوس تماما فى التصفيات حيث تصدر منتخب البرتغال ترتيب المجموعة السابعة برصيد 21 نقطة من 8 مباريات، فحقق المنتخب تحت اشرافه 7 انتصارات بعد الخسارة الوحيدة التى كان تعرض لها تحت اشراف بنتو امام البانيا فى عقر داره.
وكانت المهمة الرئيسية لسانتوس (61 عاما) كما كانت حال اسلافه بنتو وكارلوس كيروش والبرازيلى لويز فيليبى سكولاري، استخراج الافضل من رونالدو الا ان هذا المدرب عرف كيف يقدم البديل فى حال لم يكن نجم ريال مدريد الاسبانى فى يومه وهذا البديل كان اولا ريناتو سانشيز ثم ايدر فى النهائي.
وآمن سانتوس بان مفتاح النجاح يتمثل بتخفيف العبء عن رونالدو من خلال بناء الفريق من حوله، وهو قال بهذا الصدد قبيل انطلاق البطولة: "ابحث عن حل لتعزيز قوة كريستيانو من خلال ميزات لاعبى فريقي"، مضيفا "لا يمكن ان نطلب من كريستيانو اللعب كجناح فى الدفاع لانه يبذل جهدا واضحا فى الهجوم، كونه افضل لاعب فى العالم، وأكثر اللاعبين غزارة فى الاهداف، فلا يمكنه ان يكون مدافعا".
واثبت سانتوس الذى قاد اليونان الى الدور الثانى فى كأس اوروبا 2012 ومونديال 2014 رغم غياب المهارات، ان فلسفته ناجحة تماما وان الانتقادات التى وجهت اليه بسبب خروج البرتغال عن "تقليدها" الهجومي، ستصبح طى النسيان ولن يستذكر احد سوى اللقب الذى ادخل "سيليساو داس كيناس" فى سجل الابطال وجعله عاشر منتخب يحرز اللقب.
وتخلى المنتخب البرتغالى عن رقمه القياسى كأكثر منتخب خوضا للمباريات فى البطولة القارية دون لقب (35 قبل نهائى الاحد) لانجلترا (31 مباراة) وذلك رغم انه لم يكن فى المقدمة سوى خلال 73 دقيقة من اصل 720 دقيقة خاضها فى نهائيات 2016.
اخبار متعلقة
بعد تتويج البرتغال المثير.. تعرف على أغرب 10 مفاجآت فى تاريخ اليورو