إنسان حياته شهوانية يتخيل كل البنات بحسب نموذج مشوه يراه فى المواقع إياها أو على صفحات الشات المنحرفة، شخصية ضد المجتمع.. مضطرب نفسيا.. سارق للذة مؤقتة دون أن يقدر العواقب.. ودود لكنه منطوٍ فى معظم الأحيان.. هذه الصفات يمكن إجمالها تحت عنوان من كلمتين "المتحرش جنسيا"، وأغلب من يندرجون تحت هذا النموذج عاطلون.. أطفال وتلاميذ وموظفون وشيوخ.. فكيف ينظر الطب النفسى لهذه الفئة من المتحرشين وما هو التشخيص لمرضهم الذى أصبح عدوانا خطرا على المجتمع.
بداية يجب أن نعرف التحرش بأنه أى فعل جنسى غير مرحب به، لا يقوم على رضا الطرف الآخر، يصدر عامةً عن الرجال فى الأماكن العامة والخاصة ويكون موّجه ضد النساء والفتيات بشكل خاص، لكنه يطال أى شخص لا يتناسب شكله والمعايير فى المجتمع، ينتهك جسد أو مشاعر أو خصوصية الشخص، ويجعله يشعر بالانزعاج أو التهديد أو عدم الأمان أو الخوف أو عدم الاحترام أو الإهانة أو الإساءة.
عانيت لسنوات طويلة من الوقوف على الأسباب والدوافع وراء إقدام المتحرش على تلك التصرفات الشاذة - ده كان قبل ربنا ما يكرمنى وأتجوز - بعد الزواج زادت الحيرة والدهشة داخلى، وعدت للتساؤل من جديد، ما هى النشوة التى تنتاب المتحرش حال طالت يده ولامست جزءا من جسد امرأة داخل أتوبيس نقل عام أو احتك بسيدة أثناء سيرها بشارع مزدحم، أو اختلس النظر لفتاة تتسوق من أحد المراكز التجارية.
كل رجل متزوج يعلم كم المعاناة التى يتجشمها من أجل قضاء ليلة رومانسية مع زوجته، بداية من تأهيل الجو العام بالمنزل، وإجبار الأطفال على النوم مبكرا كى يسترق الأب والأم لحظات من الاستمتاع ببعضهما ينسيان خلالها هموم الحياة - واسألوا المتزوجين مأساتهم مع أطفالهم فى هذا الجانب - فما بالك بشاب تتلخص كل متعته الجنسية فى الاحتكاك بجسد امرأة.. أكيد فى شىء غلط.
ولتسليط الضوء على الكارثة التى أصبحت بمثابة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار، سنسرد بعض الأرقام والإحصائيات التى أعلنها موقع الباحثون المصريون المتخصص فى عمل الدراسات الاجتماعية، حيث جاءت الأرقام كالتالى:
99.3% من النساء تعرضن للتحرش فى مصر، بينهن 96.5 تعرض للتحرش الجنسى باللمس المباشر.
49.2% من ضحايا التحرش يتم التحرش بهن يوميا بشكل أو بآخر.
8% من ضحايا التحرش حاولن الانتحار بعد تعرضهن للتحرش.
طلاب الجامعات والمدارس يتصدرن المركز الثانى فى المتحرشين بعد العاطلين.
25.8% من المتحرشين يقومون بتلك الأفعال الشاذة كاعتياد دون أى استمتاع، بينما يتحرش 24.7% منهم للاستمتاع بالرجولة.
93% من ضحايا التحرش يرفضن إبلاغ الأمن خشية التعرض لسمعتهن.
كان "انفراد" قد استطلع فى وقت سابق آراء عدد من الخبراء النفسيين، وتحليلهم لشخصية المتحرش، حيث أكدت الخبيرة النفسية سهام حسن أن المتحرش هو شخص ضد المجتمع يعانى من اضطراب نفسى، ويختلف هذا الاضطراب من شخص إلى آخر، ولا يوجد سن محدد للمتحرش فهناك متحرشون من عمر السبع سنوات حتى السبعين.
وتضيف قد يكون المتحرش يعانى منذ الطفولة من الاعتداء الجنسى أو التحرش فى طفولته وأخذ على عاتقه الانتقام أو الخوض فى التجربة فيتحرش بالأطفال، أو قد يكون شخصا يفتقد للحب والاهتمام نتيجة التفكك الأسرى ونشأته فى أسرة مفككة ومليئة بالخلافات والمشاحنات، فيلجأ إلى التحرش كوسيلة لعقاب المجتمع، فهو يتحرش حتى بعد الزواج فهو يعانى من عقدة نقص من افتقاد للحب والاهتمام مهما كانت زوجته تهتم به وتعوضه.
وتشير الخبيرة النفسية إلى أن جميع المتحرشين يشتركون فى صفة مشتركة، فهو يرفض المجتمع ويتعامل بعنف، ويمكن ملاحظة اضطراباته النفسية والسلوكية، فيما يقدم عليه من سلوكيات ضد المجتمع، فهو لا يبالى ولا يهتم بالعواقب التى قد تقع عليهم، كل ما يهتمون به هو اللذة الجنسية والشعور الوقتى الذى يعيش فيه للحظات.
بينما قال الدكتور مينا جورج أستاذ علم النفس إن التحرش ما هو إلا هوس جنسى بالأشياء نتيجة انتشار ثقافة الحرمان فى العموم.
وأضاف "جورج": "المجتمع المصرى والعربى ينظر إلى المرأة على أنها مجرد جسد، كلما زادت فكرة الغطاء يزداد الهوس، الممنوع مرغوب".
وأردف الطبيب النفسى: الكبت والفصل بين الجنسين له عامل كبير فى التحرش، لأنه يزيد من التخيل لدى الرجل من وجهة نظره فقط، وهذا يؤدى إلى عدم إدراك متطلبات الأنثى كإنسان، مضيفا أن التفكير هذا بالأسلوب ينتزع الإنسانية فتصبح الأنثى للرجل مجرد مانيكان.
من خلال تلك الأرقام والإحصائيات وآراء الخبراء النفسيين، نحتاج إلى وقفة مع النفس، وعدم دفن رؤوسنا فى الرمال، من أجل التوصل لحلول لتلك الأزمة، وذلك عن طريق المنزل والمدرسة والمؤسسات الدينية والدراما التليفزيونية.
بداية التربية القويمة والسليمة تخرج من الأسرة والمنزل، الذى يضع اللبنات الأساسية فى بنيان الشاب منذ نشأته، ففى حال ما إذا نشأ الطفل على الأطر الاجتماعية القويمة والسليمة كلما تراجعت إمكانية دخوله ضمن تلك البؤرة الشاذة.
المدرسة تلعب دورا رئيسيا فى توعية التلاميذ والطلاب، ورفع درجة الوعى والتقارب بين الجنسين، وهنا أرى أن الفصل بين الجنسين فى المدرسة لا يلعب دورا إيجابيا فى التصدى للتحرش، وأثبتت دراسات أن معظم الطلبة المتحرشين من مدارس غير مختلطة.
يأتى دور المؤسسات الدينية التى تشكل وعى وإدراك الشباب، فإذا ما وجهت تلك المؤسسات أنظار الشباب إلى مدى حرمانية تلك الأفعال الشاذة، ودعتهم إلى تركها والابتعاد عنها وتجنبها، سنجد صدى واسعا واستجابة كبيرة من جانب الشباب، قبل وصولهم لحالة مرضية يصعب علاجهم منها.
الدراما التليفزيونية والسينما، لا يستطع شخص إغفال الدور الذى يلعبانه فى تشكيل وعى المجتمعات وخاصة الشباب، الذى يتأثر بأبطال تلك الأعمال ويقلد أعمالهم وأفعالهم، ففى حال سلطت القصص الدرامية الضوء على سلبيات التحرش، وفداحة تلك الأفعال الشاذة، ونبذ المجتمع للمتحرشين، سنلحظ التراجع الكبير فى أرقام حالات التحرش.
بجانب ما سبق، يجب تنظيم حملات توعوية لتعريف ضحايا التحرش بوسائل الدفاع عن أنفسهن، مع التشديد عليهن بعدم التهاون فى الإبلاغ عن حالات التحرش حال تعرضهن لها.