مجددًا، عاد خط الغاز نورد ستريم 1 و2 لصدارة اهتمام المجتمع الدولى بعد تخريبهما فى سابقة خطيرة تهدد البنية التحتية للطاقة فى أنحاء العالم، حيث عقد حلف شمال الأطلسى الناتو اجتماعًا استثنائيًا لمناقشة تداعيات الـتسرّب الغير مفسّر للغاز فى موقعيْن من خط الأنابيب فى بحر البلطيق، وكذلك بحث زيادة قدرات التسليح لدول الحلف، بعد أكثر من 300 يوم من الحرب الأوكرانية التى تقودها روسيا منذ 24 فبراير الماضي.
ويكتسب خط الغاز نورد ستريم، أهمية استثنائية لدول الغرب حيث يعد موردًا شبه رئيسًا للطاقة ويربط روسيا بشمال ألمانيا، ويمثل أهمية قصوى بالنسبة لألمانيا كآلية مستدامة لضمان الطاقة فيها، وكذا الاتحاد الأوروبى بشكل عام.
وكانت سلسلة من التفجيرات يوم 26 سبتمبر قد نالت من خطى الأنابيب تحت الماء يربطان روسيا بألمانيا إلى تدفق الغاز إلى سطح بحر البلطيق، وتسببت فى حدوث أربع تسربات للغاز فى أربعة مواقع - اثنان فى المنطقة الاقتصادية الخالصة للدنمارك واثنان فى المنطقة الاقتصادية الخالصة للسويد.
ويشتبه الكثيرون فى أوروبا فى أن الحادث كان نتيجة هجوم، لا سيما أنه وقع خلال مواجهة مريرة بشأن الطاقة بين الاتحاد الأوروبى وروسيا، فى حين رفض الكرملين المزاعم بأنه دمر خطوط الأنابيب، ووصف هذه المزاعم بأنها "غبية" و"سخيفة"، وزعم أن الولايات المتحدة هى التى ستستفيد أكثر من تسرب الغاز، فيما نفى البيت الأبيض أى ضلوع له فى الهجوم المشتبه به.
وقالت السلطات السويدية والدنماركية أن حجم هذه الانفجارات بلغ 2.3 و2.1 على مقياس ريختر، على التوالى، ومن المحتمل أنه يتوافق مع شحنة متفجرة تبلغ عدة مئات من الكيلوجرامات.
لم يكن أى من خطى أنابيب نورد ستريم ينقل الغاز فى وقت الانفجارين، على الرغم من احتوائهما على غاز الميثان المضغوط أحد غازات الدفيئة القوية، ومن اللافت للنظر أن بصمات الغاز المتدفق على سطح بحر البلطيق يمكن رؤيتها من الفضاء.
ووصف علماء المناخ الصور المروعة لغاز الميثان المنبعث من الانفجار بأنه "إطلاق متهور" لانبعاثات غازات الاحتباس الحرارى التى، إذا كانت متعمدة، ترقى إلى جريمة بيئية.
وفى ذلك الوقت، قالت القوات المسلحة الدنماركية أن مقطع فيديو أظهر أن أكبر تسرب للغاز تسبب فى اضطراب سطحى يبلغ قطره حوالى كيلومتر واحد (0.62 ميل)، فى حين تسبب أصغر تسرب فى دائرة يبلغ ارتفاعها حوالى 200 متر.
وأصبحت خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم نقطة محورية للتوترات بين روسيا وأوروبا فى الأشهر الأخيرة، حيث اتهمت موسكو بتسليح إمدادات الغاز فى محاولة لتخفيف العقوبات وسط هجومها على أوكرانيا.
ولم تصل معظم الحكومات الغربية إلى حد توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى روسيا، بينما سعى الكرملين إلى إلقاء اللوم على الغرب.
ووصف الرئيس الأمريكى جو بايدن التفجيرات على خطوط أنابيب نورد ستريم بأنها ”عمل تخريبى متعمد” قائلًا أن واشنطن تعمل مع حلفائها لمعرفة ما حدث بالضبط.
وأفادت وكالة رويترز أن فاتح بيرول، المدير التنفيذى لوكالة الطاقة الدولية، قال فى مؤتمر فى باريس إنه كان واضحًا للغاية من المسؤول عن تسرب الغاز، ومع ذلك، لم يقل من يكون.
ونفت روسيا مسؤوليتها عن تسرب الغاز، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا فى إفادة صحفية يوم الخميس أن مثل هذه المزاعم "سخيفة".
وشددت زاخاروفا على الاستثمار الهائل الذى اتخذه الكرملين فى مشروع البنية التحتية وانتقد الغرب لمنع موسكو من المشاركة فى التحقيقات.
فيما اعترف علماء المناخ فى أعقاب الحدث أنه كان من الصعب تحديد الحجم الدقيق للانبعاثات بدقة وقالوا أن التسريبات هى ”فقاعة صغيرة فى المحيط” مقارنة بالكميات الهائلة من الميثان المنبعثة حول العالم كل يوم.
الميثان أقوى بـ 84 مرة من الكربون ولا يدوم طويلًا فى الغلاف الجوى قبل أن يتحلل، وهذا يجعلها هدفًا حاسمًا لمكافحة تغير المناخ بسرعة مع تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الأخرى فى نفس الوقت.
ويقُدِّر أن خطى أنابيب نورد ستريم يحتويان على ما يكفى من الغاز لإطلاق 300 ألف طن من الميثان - أكثر من ضعف الكمية التى أطلقها تسرب أليسو كانيون 2015 فى كاليفورنيا، وهو أكبر إطلاق معروف للميثان فى تاريخ الولايات المتحدة، فى حين أن هذا يعنى أنه يمكن أن يكون أحد أكبر انبعاثات الميثان المنفردة، إلا أن الحادث يتضاءل مقارنة بما يقرب من 70 مليون طن من الميثان المنبعثة من صناعة النفط والغاز كل عام.
وقدرت وكالة الفضاء الأوروبية أن تسرب الانبعاثات من خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم يعادل تقريبًا يوم ونصف من انبعاثات غاز الميثان العالمية، ومع ذلك، جادل المدافعون عن البيئة بأن الحادث بمثابة تذكير آخر بالمخاطر المرتبطة بالبنية التحتية للوقود الأحفوري.
من جانبه وصف الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، حادث "تخريب" خطى "نورد ستريم" بأنه "إرهاب دولي"، لمنع الناس من "الطاقة الرخيصة".
وحسب موقع روسيا اليوم، قال بوتين خلال كلمته فى منتدى "أسبوع الطاقة الروسي" فى العاصمة موسكو اليوم ويستمر لمدة 3 أيام، أن الضغط مستقر فى خطوط أنابيب "السيل الشمالي"، إلا أنهم لا يسمحون لنا بالمشاركة فى التحقيقات والوقوف على حقيقة ما حدث.
وأوضح أن روسيا مستعدة لضخ الغاز إلى أوروبا عبر "السيل الشمالي-2" كل ما يتعين فعله هو فتح الصنبور، مشيرا إلى أنه كان من الممكن تجنب ارتفاع الأسعار فى أوروبا بعدم اللجوء إلى ربط أسعار الغاز بالنفط، والاعتماد على العقود طويلة الأمد.