نشرت جريدة «الأهرام» رواية «ميرامار» لأديب نوبل الكاتب الروائى نجيب محفوظ، عام 1966، فى حلقات مسلسلة دون حذف كلمة واحدة منها بالرغم مما جاء فيها من انتقادات للنظام، حسبما يذكر فى مذكراته التى أعدها الكاتب والناقد رجاء النقاش، وفى عام 1967 تم طبعا واشتراها المنتج جمال الليثى نظير 750 جنيها، لتحويلها إلى فيلم سينمائى، حسبما يذكر الكاتب والناقد «أشرف بيدس» فى تقرير له عن الفيلم منشور فى جريدة الأهالى.
يؤكد «محفوظ» لرجاء النقاش: كانت السلطة فى عهد عبدالناصر واثقة من حسن نواياى فى كتاباتى، ومن أننى أقصد من انتقاداتى صالح الوطن لا لإثارة أو تأليب الجماهير، وأظن أن عبدالناصر نفسه كان مدركا لهذه الحقيقة بدليل أنه تدخل لصالحى بعد نشر رواية «ثرثرة فوق النيل»، ولم يترك الأمر لانفعالات المشير عبدالحكيم عامر.
فى هذا السياق جاء نشر رواية «ميرامار» فى الأهرام دون حذف أى كلمة منها، غير أنه وبعد تحويلها إلى السينما قابل الفيلم مطبات قبل عرضه جماهيريا فى 13 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1969، وفقا للإعلانات المنشورة بالصحف المصرية يوم العرض الأول، والفيلم من إخراج كمال الشيخ، وبطولة، شادية، يوسف وهبى، يوسف شعبان، عماد حمدى، عبدالرحمن على، نادية الجندى، نظيم شعراوى، سهير رمزى، إبراهيم سعفان، أحمد توفيق، سهير سامى، واستغرقت مدة عرضه 105 دقائق.
يكشف «محفوظ» فى مذكراته طبيعة المطبات التى قابلت الفيلم وهددت عرضه جماهيريا، قائلا: «قبل عرض الفيلم شاهده عدد من أعضاء الاتحاد الاشتراكى فى عرض خاص، فاعترضوا عليه، وقالوا إنه يتضمن هجوما صريحا على النظام، وطالبوا بمنع عرضه، فجن جنون المنتج جمال الليثى، وراح يشكو فى كل مكان حتى وصل صوته إلى الرئيس جمال عبدالناصر، فكلف نائبه أنور السادات بمشاهدة الفيلم وكتابة تقرير عنه ليتخذ قرارا عادلا فى القضية».
يؤكد «محفوظ»، أنه حدثت له صدمة عندما عرف أن أنور السادات هو الذى سيشاهد الفيلم.. يقول: لما سمعت أن عبدالناصر اختار السادات للفصل فى أزمة الفيلم، قلت فى نفسى: «عليه العوض.. الفيلم راح»، وفى اليوم التالى للعرض الخاص الذى شاهد فيه السادات الفيلم، فوجئت بخبر منشور فى الأهرام، أصابنى بالاستغراب والدهشة، فالسادات لم يوافق فقط على عرض الفيلم، بل إنه أدلى بتصريح يمثل دعاية صريحة له.
يذكر محفوظ، أن السادات أكد أن الفيلم برىء تماما من تهمة العداء للنظام، ودعا الجمهور إلى مشاهدته.. يؤكد: «ضربت كفا بكف ولم أفهم تفسيرا لهذا الموقف إلا بعد وفاة جمال عبدالناصر «28 سبتمبر 1970»، حيث اتضح لى أن السادات لم يفعل ذلك إلا من منطلق عدائه للاتحاد الاشتراكى ونكاية فيه».
يضيف محفوظ: «تم عرض الفيلم وحقق نجاحا جماهيريا كبيرا بفضل دعاية السادات له، وحقق رقما قياسيا فى أسابيع العرض وقتذاك، فقد استمر عرضه 19 أسبوعا متصلة، وأذكر أن الشخصية التى أداها الفنان يوسف وهبى فى الفيلم كانت شخصية «شريرة» لا يمكن التعاطف معها، ولكن بفضل براعة يوسف وهبى الفائقة وخفة ظله، تحولت إلى شخصية محبوبة، وهكذا فعل يوسف وهبى عكس ما أردته، فقد أردت الهجوم على الرجعية، أما يوسف وهبى فقد قلب هدفى إلى دعاية للرجعية».
وبالرغم من أن «ميرامار» يحتل رقم 29 فى قائمة أفضل مائة فيلم مصرى، إلا أن الناقد السينمائى على أبوشادى ينتقده بعنف، حيث يرى أن هناك تعديا من الفيلم على النص الأصلى للراوية، ويرى فى كتابه «كلاسيكيات السينما المصرية» أن نجيب محفوظ عانى من العبث فى معظم أعماله التى نقلت إلى السينما المصرية، عدا تلك التى قدمها صلاح أبوسيف.. يذكر أن فيلم «ميرامار» كان النموذج الفذ فى تشويه رؤية الكاتب وقلب الحقائق، بل والتعدى على شخصيات الرواية، ويلقى أبوشادى المسؤولية فى ذلك على ممدوح الليثى كاتب سيناريو الفيلم، قائلا إنه كشف عن موقف معاد للثورة بدأه فى «ميرامار»، وتصاعد معه فى «ثرثرة فوق النيل» ثم «المذنبون»، ووصل إلى قمته فى فيلم «الكرنك»، وكلها أعمال نجيب محفوظ تقنع بها ليغرس أنيابه فى التجربة، وليظهر روحا كارهة لثورة 23 يوليو، ويبدى تعاطفا بل انحيازا للطبقات التى حاولت الثورة تقليم أظافرها، وتعاليا على الطبقات الكادحة والمطحونة مستغلا ظروف ما بعد الهزيمة عام 1967.
وعلى العكس من ذلك يرى الكاتب والناقد السينمائى كمال رمزى: «أنه بصرف النظر عن الطرح أو المضمون الذى يريد الفيلم أن يطرحه، فإن الفيلم رائع، ويعتبر من أعظم أفلام كمال الشيخ على الإطلاق، لأنه كان محايدا، فطرح وجهات نظر أبطال الفيلم دون أن يتحيز لشخصية ضد الأخرى، ومن هنا ظهرت نقاط الرمز التى يرتكز عليها كمال الشيخ».