نشرت مدونة وزارة الخارجية، مقالا لوزير الخارجية سامح شكري الرئيس المعين للدورة 27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، استعرض فيها جهود حشد التمويل لعمل المناخ الدولي.
واوضح وزير الخارجية في مقاله ان الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي هذا العام ذات دلالة أكثر من المعتاد، مؤكدًا أن قدرة العالم ذاته على التعاون في مجال المناخ أصبحت على المحك، ناهيك عن العمل معًا لتحقيق تحول عادل ومنخفض الانبعاثات الكربونية ومقاوم لتغير المناخ.
ولفت الوزير، إلى أن اتفاق باريس الذي يوجه عمل المناخ الدولي هو بمثابة "صفقة كبرى''، حيث توافقت الدول النامية على تقديم اسهاماتها العادلة لمعالجة أزمة لم تتسبب فيها، في مقابل الدعم المالي الذي تحتاجه لاستكمال عملها على المستوى المحلي، مع السعي في ذات الوقت نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، مشيرا إلى أنه مع اقتراب قمة الأمم المتحدة للمناخ المنعقدة في نوفمبر بمصر، فهذه الصفقة أضحت موضع تساؤل، وتراجعت آفاق نجاحها.
وأوضح وزير الخارجية، أن الاجتماعات السنوية لهذا الشهر تأخذ منحاً خاصاً، حيث تمثل فرصة لتغيير الطريقة التي نفكر ونتحدث بها عن تمويل المناخ، وكيفية توفيره، ومن خلال أية أدوات، ووسائل النفاذ إليه. فإذا فعلنا ذلك، يمكننا أن نبث حياة جديدة في عمل المناخ العالمي. وإذا لم نتمكن من فعل ذلك، فقد يتفاقم الشعور المتزايد بالظلم، وتتآكل الثقة الهشة، وتزداد المهمة صعوبة على صعوبتها، على حد قوله، مؤكدا أنه يدرك أن جدول الأعمال ممتلئ، حيث تتصاعد أسعار الغذاء والطاقة، والتوترات الجيوسياسية، وأزمة التمويل المتزايدة في العديد من البلدان، وهي كلها أمور تستوجب الاهتمام بها.
ولفت وزير الخارجية، إلى أن زمة المناخ طاغية، فموجات الحرارة المرتفعة والجفاف والحرائق والعواصف وارتفاع مستويات سطح البحر وتدهور الأراضي والتصحر والفيضانات تدمر المجتمعات في جميع أنحاء العالم وتقضي على العديد من مكاسب التنمية، والملايين يواجهون المجاعات وانهيار الزراعة ومعركة محتدمة على الموارد. كل هذا وفقاً لمعدل 1.1 درجة مئوية من زيادة معدلات الحرارة العالمية، ومع كل عُشر درجة إضافية ستزداد الآثار سوءاً، مع تأثير متباين، خاصة على أولئك الذين لا يزالون في طور النمو ويفتقرون إلى الموارد والإمكانات.
وتابع الوزير شكري : لذلك، دعونا نبدأ بالاعتراف بهذه الحقيقة. فلا يمكن تحقيق مهام مؤسسات بريتون وودز والمؤسسات المالية الدولية الأكبر دون معالجة تغير المناخ، ولا توجد معالجة لتغير المناخ دون استعادة العدالة المالية لنظامنا الدولي والتركيز على تحقيق تحول عادل.
وأكد أنه من أكثر من عقد من الزمان، في عام 2009، تعهدت الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار سنويًا لتمويل المناخ بحلول عام 2020، واليوم، لم يتم الوفاء بهذا الوعد، الذي يعد مجرد جزءاً بسيطاً مما هو مطلوب. ووفقًا للجنة الدائمة المعنية بالتمويل لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، فإن تكلفة تنفيذ الاسهامات المحددة وطنيًا لخفض الانبعاثات في الدول النامية تقدر بحوالي 5.8 تريليون دولار أمريكي حتى عام 2030.
ودعا الوزير شكرى الدول المتقدمة أيضًا أن تحترم "تعهد جلاسجو" بمضاعفة تمويل التكيُف مع تغير المناخ بحلول عام 2025، حتى نتمكن من الاستعداد وحماية أنفسنا من التأثيرات المناخية التي وقعت بالفعل، كما حان الوقت لمعالجة الخسائر والأضرار الهائلة الناجمة عن تغير المناخ التي يعاني منها الأشخاص الذين لم يتسببوا فيه إلا بالقدر الضئيل، مشيرا إلى إن هذا أمر شائك، ولكن لا يمكن تحقيق إيمان قوي بأجندة عمل المناخ العالمي ومصداقيتها بدونه.
وأوضح أن النبأ السار هو أن الاستثمارات التي سنقوم بها لمعالجة تغير المناخ يمكن أن تلعب أيضًا دورًا في تحقيق التنمية المستدامة، والأدوات والتقنيات الموجودة تحت تصرفنا أصبحت أكثر فاعلية بمرور الوقت، حيث يزدهر الاستثمار في تكنولوجيا المناخ، من مصادر الطاقة المتجددة إلى التقنيات الجديدة للتخلص من الكربون، بجانب النقل الكهربائي، وتصبح الطاقة النظيفة أرخص كل عام.
وأشار إلى أن الاستثمار في المناخ أيضاً منطقي من الناحية المالية، فوفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2022 الصادر عن صندوق النقد الدولي، فإن التكاليف على المدى القصير لخفض انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 بما يكفي للوصول إلى مستوى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050 يمكن التحكم فيها وأقل من تكاليف التقاعس والتأخير في عمل المناخ.
وتابع : إن هذا هو الحال في كل من الدول المتقدمة ودول الجنوب، ومع هذا، فإن الدول النامية لديها موارد أقل للقيام بذلك، ومن المرجح أن تكون التكلفة أعلى بالنسبة لها. لذلك، فإن دعمها هو سياسة جيدة والعمل الصحيح أخلاقياً الذي يتوجب القيام به، فليس من العدل أن نطلب من الدول الأقل إسهاماً في أزمة المناخ أن تتحمل تكلفة التحول نحو مصادر الطاقة الصديقة للبيئة.
وأضاف: إذاً كيف يمكن للمؤسسات المالية الدولية المساعدة؟ أولاً، ينبغي عليهم مواصلة التأكيد على ضرورة العمل المناخي العادل في تصريحاتهم العامة: لا يمكن أن يكون هناك شك في أولوية هذه المهمة. هناك حاجة ماسة الآن إلى رسائل واضحة وسياسات أكثر وضوحًا، ثانيًا، يجب عليهم إعادة النظر في سياساتهم من حيث النفاذ إلى التمويل، وقبول المخاطر وأدوات التمويل والبحث عن طرق لتوفير تمويل مناخي إضافي بشروط ميسرة للغاية يعتمد على المِنَح لدول الجنوب. إن هذه الاجتماعات السنوية تمثل فرصة للتفكير بشكل أكثر إبداعًا حول كيفية تكييف الخدمات والممارسات مع واقعنا المناخي، لخفض الانبعاثات الكربونية وتعزيز التكيُف أيضًا على وجه السرعة.
واوضح أنه خلال الأسابيع الأخيرة، كان هناك تدقيق متزايد في البنية المالية العالمية، وقد دعت الدول النامية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إلى إعادة توزيع حقوق السحب الخاصة، وتعليق رسوم الفائدة الإضافية لكبار المقترضين الذين يحتاجون إلى موارد مالية، والنظر في سبل الاعفاء من الديون وتقديم تمويل ميسّر للبنية التحتية المقاومة لتغير المناخ، مشيرا لدعوات لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإعادة النظر في نسبهم الموصى بها للدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وذلك فيما يتعلق بالاقتراض من أجل معالجة تغير المناخ وآثاره.
وأضاف وزير الخارجية في مقاله : وبدون اتخاذ موقف محدد مسبق بشأن هذه المطالب، فإن توجهها يبدو معقولاً. وإذا أرادت المؤسسات المالية الدولية أن تظل فعالة في القرن الحادي والعشرين، فيجب على هذه المؤسسات بذل المزيد من الجهد لمواجهة هذه التحديات، وهذا يعني تطوير كيفية قيامهم بأعمالهم.
واختتم مقاله بالقول : لذلك دعونا ننتهز هذه الفرصة ونساعد في وضع النظام المالي الدولي على مسار جديد، مسار يدرك تمامًا أزمة المناخ، ومصلحتنا المشتركة في مساعدة بعضنا البعض على التغلب عليها. إذا فعلنا ذلك، فلدينا فرصة سوياً لبناء عالم أكثر عدلاً واستدامة.