فوجئت عواصم العالم بنبأ إعفاء الزعيم السوفيتى نيكيتا خروتشوف من منصبيه، سكرتيرا للحزب الشيوعى السوفيتى ورئيسا للوزراء، وانتشر الخبر فى 15 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1964 وتصدر كل صحف وإذاعات العالم فى اليوم التالى « 16 أكتوبر»، فالرجل الذى كان يشغل مناصبه من 14 سبتمبر 1953 لم تكن هناك مؤشرات على احتمالات تقاعده، كما أن الأسباب الحقيقة لما جرى لم يتم الكشف عنها فورا، وظلت محل تكهنات لعدة أيام.
كان الخبر هو القصة الرئيسية لـ «لأهرام» لعدة أيام، وكان موضوعها الرئيسى بصفحتها الأولى يوم 16 أكتوبر 1964، وذكرت فى تغطيتها الموسعة، أن حالة من الذهول أصابت عواصم العالم من طريقة إعفاء «خروتشوف» فجأة، وقالت إن اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى عقدت اجتماعا يوم 14 أكتوبر، وفيه ووفقا للبيان الرسمى «قبلت طلب خروتشوف بإعفائه من واجباته كسكرتير أول للجنة المركزية، وعضو فى مجلس الرئاسة ورئيس لمجلس الوزراء، وذلك بسبب تقدمه فى السن وتدهور صحته»، كان يبلغ من العمر وقتئذ 70 عاما (مواليد 17 أبريل 1894).
تتبعت «الأهرام» القصة من كل جوانبها، قائلة، إنه من المدهش أن راديو موسكو أنهى إذاعته فى الساعة الحادية عشرة مساء أمس، دون أن يذكر كلمة فى موضوع خروتشوف، وبعد ذلك بدقائق كانت وكالة «تاس» تذيع البيانات الرسمية، ومعنى ذلك أن الشعب السوفيتى لم يعرف بأى شىء مما حدث إلا صباح اليوم حين يقرأ البيانات الرسمية فى جريدة البرافدا التى تصدر فى الصباح.
قالت «الأهرام»، إنه سبق هذه التطورات أمور غير عادية حدثت فى موسكو، أولها احتجاب صحيفة « أزفستيا» الناطقة باسم الحكومة عن الصدور، وكان رئيس تحريرها آليكس ردجوى، زوج ابنة خروتشوف، وتم إعفاؤه أيضا من منصبه، ومن بين هذه التطورات أن عددا كبيرا من السيارات السوداء شوهدت أمام مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى، ما أوحى بأن اللجنة كانت تعقد اجتماعا كبيرا لم يسبق الإعلان عنه، ومن بين التطورات الأخرى، أنه تم التنبيه على مراسلى الصحف أن يترقبوا بيانا مهما سيذيعه راديو موسكو، أو تنشره الصحف السوفيتية، كما ذكرت «الأهرام» أنه مما لفت الانتباه أن خروتشوف لم يحضر مأدبة الغذاء التى أقيمت تكريما للرئيس الكوبى «دورتيكوس» ولم يجتمع به وكان فى زيارة إلى موسكو.
توقعت «الأهرام» أن تغيرات واسعة النطاق سوف تؤثر تأثيرات واسعة النطاق على السياسة العالمية كلها بسبب اختفاء خرشوف من فوق قمة السلطة فى الكرملين، وأول مجال لاحتمال التغيير هو علاقة الاتحاد السوفيتى مع الصين، وكان الخلاف بين الاثنين على أشده، وكانت الصين تركز خلافها فى شخص خروتشوف، وقالت «الأهرام»، إن مجال التغيير الثانى هو علاقات الاتحاد السوفيتى بالغرب، وكان التقارب يمضى حثيثا بين الكتلتين، وكان المعروف أن خروتشوف هو صاحب سياسة التقارب، أما ثالث احتمالات التغيير فهو احتمالات اشتداد درجة الحرب الباردة نتيجة للاحتمالين السابقين.
فى اليوم التالى، 17 أكتوبر، قالت «الأهرام» إن مراسل «الإسوشيتد بريس» قال نقلا عن مصادر موثوق بها، إن خروتشوف عزل من منصبيه الخطيرين نتيجة الاقتراع الذى لم يكن لصالحه فى اللجنة المركزية للحزب الشيوعى، بعد أن وجهت إليه اتهامات من بينها سوء التكتيك فيما يتصل بالنزاع الصينى السوفيتى، ومحاباة أقاربه، وأنه حاول دحض هذه الاتهامات ولكنه فشل فى محاولته، وقالت هذه المصادر إن الاتهامات ضد خروتشوف قدمت إلى اللجنة المركزية بواسطة ميخائيل سوسلوف وهو من رجال ستالين القدامى، والمتحدث الأول باسم الكرملين فى نزاعها المذهبى مع الصين، كما أنه هو الذى رأس الاجتماع الذى عقدته اللجنة المركزية عام 1957، وتم فيه لخروتشوف طرد بعض المعارضين من الحزب، وذكرت هذه المصادر أن سوسلوف اتهم خروتشوف «بإنماء نزعة تقديس الشخصية»، وهو الاصطلاح الذى استخدمه خروتشوف ضد ستالين ليجعله شاملا للاتهامات الخاصة للجرائم التى ارتكبها ستالين.
تفجرت هذه الأحداث بينما كان الرئيس اليوغسلافى «تيتو» فى زيارة إلى مصر، وذكرت «الأهرام» فى عددها يوم 16 أكتوبر، أن الرئيس جمال عبدالناصر تابع تطورات الأحداث فى موسكو دقيقة بدقيقة، وأنه تلقى أول التقارير عما حدث قبل اجتماعه فى المساء فى بيته بالرئيس اليوغسلافى المارشال تيتو، وعرف «تيتو» لأول مرة بما حدث من عبدالناصر، وأكدت «الأهرام» أن التطورات فى موسكو كانت محل بحث بين الرئيسين، وحين عاد «تيتو» إلى قصر القبة بعد انتهاء زيارته للرئيس عبدالناصر فى بيته طلب موافاته أولا بأول بكل البرقيات التى ترد عن أحداث موسكو، بالإضافة إلى تلقيه رسائل خاصة من العاصمة اليوغسلافية بلجراد على وجه السرعة لاسلكيا.