«معندناش ثروات.. علشان محدش يتوهم إن فى الدولة ثروات.. ثروة يعنى كميات كبيرة تمثل دخلا ريعيا.. واللى عندنا شيخ التنقيب وكان عنده 85 سنة.. قال لى عندنا 3 حاجات.. رمل ورخام وحجر جيرى.. مفيش غير العمل وتدور على الأفكار وتطورها وتشتغل عليها علشان تغير حياة الناس وتعظم دخولها».. هكذا تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى يوليو الماضى، أثناء افتتاح عدد من مشروعات مصر الرقمية.
نقول هذا بمناسبة افتتاح مصنع منتجات الرمال السوداء فى كفر الشيخ، وهو واحد من مجموعة مصانع لاستخلاص المعادن والخامات الصناعية من الرمال السوداء، هذه الرمال كان يتم تصديرها أو تهريبها كما هى بقروش قليلة، لتعود لنا فى شكل منتجات بملايين، وعلى مدى عقود 80-90 سنة كان علماء وخبراء التعدين يطالبون بوقف تصدير هذه الثروة، والتعامل معها بالعلم.
فقط الرئيس عبدالفتاح السيسى، هو من استمع للعلماء والخبراء، وفى عام 2016 بدأ تحويل الحلم إلى واقع، فالدول تتقدم بالأفكار، والعلم هو الثروة الحقيقية التى تولد القيمة، والواقع أن استغلال الرمال السوداء يؤكد نظرية التقدم التى تقوم على العلم، باعتبار أن أكبر الاقتصادات فى العالم تقوم على الأفكار التى تمثل الثروة الحقيقية، وحسبما أعلن الرئيس فى افتتاح المشروع، أمس، استغرقت دراسات الجدوى ثلاث سنوات، وبتكلفة ضخمة.
الرمال السوداء تتشابه مع الرمال عموما، لكنها فى الواقع تحتوى على كنز، لأنها تكونت عبر مئات السنين من الترسبات والتفاعلات مع التفاعلات الصخرية، وحسب دراسات علماء المواد النووية فإن الرمال السوداء توجد على شواطئ البحرين الأحمر والمتوسط، وتحتوى على 6 معادن رئيسية تدخل فى أكثر من 49 صناعة استراتيجية.
وقال الدكتور حامد ميرة، رئيس هيئة المواد النووية، إن الرمال السوداء تذخر بالعناصر الأرضية النادرة، وتمثل عصب الصناعات التكنولوجية والإلكترونية المتقدمة، بالإضافة إلى مجالات الذكاء الاصطناعى، وأن عوائد مشروعات القيمة المضافة تصل إلى 6 مليارات دولار بمشروع البرلس فقط، مؤكدا أن كل الأعمال كانت بأيد مصرية خالصة وشركات وطنية، وأن المكون المحلى تجاوز 60 % من إجمالى المشروع، مؤكدا أننا نمتلك احتياطيات هائلة تصل إلى 5 مليارات طن من الرمال السوداء على ساحلى البحرين الأحمر والمتوسط.
وقال اللواء أركان حرب وليد حسين، مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، إن مشروع استخلاص المعادن من الرمال السوداء أحد المشروعات الصناعية الجديدة والتى أعيد اكتشافها مرة أخرى بإرادة سياسية ورؤية وطنية ثاقبة نحو استشراف المستقبل، مبينا أن الرمال السوداء تكونت عند مصبات الأنهار بفعل ظاهرة المد والجزر وتحتوى على نسب عالية من المعادن، كاشفا عن أن مصر تمتلك أحد أكبر الاحتياطيات من الرمال السوداء على مستوى العالم، ومتوقع أن يستخرج منه 76 مليون طن معادن اقتصادية وفقا لدراسات الجدوى لهيئة المواد النووية، وتكفى للتشغيل 200 عام، بالإضافة إلى الاستكشافات الجديدة الواعدة، فضلا عن العائد الاقتصادى الهائل والمردود الاستراتيجى لسد الفجوة بين متطلبات السوق المحلى والاستيراد وتصدير الفائض للسوق الأوروبى والآسيوى.
وحسب التقرير المهم الذى نشره زميلى زكى القاضى فى «انفراد»، فإن أهم المعادن المستخلصة من الرمال السوداء هى 6 معادن رئيسية وهى الألمانيت والزيركون والجارنت والروتيل والمونازيت والمجانتايت، تدخل فى إنتاج التيتنايوم الإسفنجى وأجسام الطائرات والصواريخ والغواصات، والبويات والورق والجلود، والسيراميك والأدوات الصحية والزجاج وتبطين المفاعلات النووية، وصناعة الحراريات، والحديد الإسفنجى، وتغليف أنابيب البترول والخرسانات الثقيلة، والأصباغ والبويات وأسياخ اللحام، بينما يستخدم المونازيت كمصدر مشع لليورانيوم والتوريوم، وكذلك الصناعات عالية التقنية.
تأسست الشركة المصرية للرمال السوداء كإحدى شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية عام 2016 برأس مال مصدر قدره نصف مليار جنيه، تمت زيادته إلى 4 مليارات جنيه موزعة بين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية وهيئة المواد النووية ومحافظة كفر الشيخ والشركة المصرية للثروة التعدينية وبنك الاستثمار القومى، كما تم تأسيس الشركة المصرية الصينية للرمال السوداء، بهدف سرعة تغطية معظم مناطق الرمال السوداء على أرض مصر.
وتم وضع خطة تهدف لإنشاء مصانع فى رشيد والبرلس ودمياط وبورسعيد وغليون، بدأت بمصنع رشيد على مساحة 40 فدانا بالبحيرة.
الرئيس جدد فى الافتتاح دعوته للقطاع الخاص، للاستثمار فى هذه الصناعات مضمونة العائد بعد أن قطعت الدولة مرحلة دراسات الجدوى، وقال الرئيس السيسى «أرجو أن رسالتى تصل للقطاع الخاص.. ادخلوا لوحدكم.. هنساعد معاكم ماشى.. بشراكة ندخل معاكم.. بحيث نقدر نعمل أكثر من مجمع للرمال السوداء».
واليوم مصنع البرلس خطوة هائلة ضمن خطط استخلاص الثروة من رمال كانت تباع بملاليم، لتتحول إلى ملايين مع آلاف فرص العمل والعوائد، من كنز الأفكار الذى يحول الرمال إلى ملايين.