دائما ما تتردد جمل على لسان المسئولين فى القطاعات المختلفة مثل خطر الإدمان يُهدد مستقبل مصر، الوطن فى ورطة بسبب اجتياح المواد المخدرة لطبقات المجتمع المختلفة، تلك التحذيرات تطلق مرارًا وتكرارًا بدون الإعلان فى المقابل لخطة مناهضة تلك الأزمة الذى يخشها الجميع، ومن أبرز الجهات الملقى على عاتقها هذه المهمة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى الذى أثيرت حول مستوى أدائه وفعالية دوره العديد من التساؤلات داخل أروقة البرلمان أو خارجه.
وفقًا لأحدث الاحصائيات المعلنة من قبل صندوق مكافحة وعلاج الإدمان نفسه فإن نسبة الإدمان وصلت فى مصر 2.4%، ونسبة التعاطى بلغت 10%، أى ما يعادل ضعف نسبة التعاطى عالميا التى تبلغ 5%، تلك النسب تم حصرها فى الفئة العمرية ما بين 15 إلى 60 عامًا.
وكشفت الاحصائيات أن الترامادول يحتل المركز الأول فى الانتشار بين المدمنين بنسبة تصل إلى 51%، أما الحشيش فيتصدر القائمة بالنسبة للمتعاطين، إضافة إلى ذلك هناك فئات فى المجتمع المصرى تُعانى من سيطرة تلك الأزمة عليها مثل السائقين الذى ينشر الإدمان وسطهم بمعدل 24%، والحرفيين بنسبة 19%.
تلك النسب المخيفة التى أعلنها صندوق مكافحة وعلاج الإدمان أثارت مخاوف مشروعة وشكوكاً لدى الكثيرين حول جدية الصندوق فى أداء دوره وتوظيف موارده التوظيف الأمثل لتحقيق الأهداف التى تم إنشاؤه من أجلها، لاسيما أن ميزانيته السنوية وفقًا لتصريحات المسئولين عنه تتراوح ما بين 15 إلى 20 مليون، وتأتى من عائد الغرامات الموقعة على تجار المخدرات على مدار العام.
على صعيد البرلمان ناقش أكثر من نائب الدور الباهت لصندوق مكافحة الإدمان وانعدام تأثيره على أرض الواقع فى ظل الميزانية المصروف له، وتحديدًا ناقش نواب اللجان المعنية بالأمر كالتضامن أو القريبة فى النشاط مثل الصحة، ووجه بعضهم انتقادات وصلت إلى حد تشبيه صندوق مكافحة الإدمان فى الأداء بالصندوق الاجتماعى الذى لا يؤدى الدور المطلوب منه، ويكتفى بكونه ديكورًا، لذا رأوا هؤلاء بأن الغلق واجب، مع توفير ميزانيته التى يستفيد منها مجموعة محدودة من الأشخاص لوزارة الصحة للقيام بالدور المطلوب، بينما رأى آخرون أن المطالبة بالغلق النهائى قرار متسرع مطالبين بضرورة تطوير الصندوق.
إلهام المنشاوى، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أوضحت أنه لا تشعر بتأثير حملات صندوق مكافحة وعلاج الإدمان خاصة أن النسب المُعلن لا توحى بأى تقدم ملحوظ، والشعور بالطمأنينة تجاه الجهد المبذول، مضيفة أن الصندوق فى رأيها مثل أى شيء آخر فى مصر يستخدم طرق تقليدية فى التوعية، وغير قادر على استحداث الأساليب العالمية التى تحد من نسب تعاطى المخدرات، لاسيما فى مثل هذه القضية الخطيرة والحساسة للغاية.
وأوضحت عضو لجنة الصحة بالبرلمان أنها لا تؤيد الاتجاه المطالب بغلق الصندوق إنما تطالب بتطويره فى الفترة القادمة، ودعمه بقيادات جديدة تحمل رؤية أكثر اتساقاً مع الواقع، وتابعت: "إذا ظل الوضع على ما هو عليه فالغلق سيكون الخيار الوحيد، خاصة أن تلك الأزمة لا يمكن التهاون معها بأى حال من الأحوال".
النائب محمد أبو حامد عضو لجنة التضامن بالبرلمان، رأى أن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان مثل أى هيئة أو مؤسسة فى الدولة تحتاج إلى إعادة تفعيل دورها، لاسيما أن ظاهرة الإدمان والتعاطى تتفاقم يومًا تلو الآخر، لافتًا إلى أن الحملات يجب أن تخترق المناطق العشوائية كأهم البؤر المراد التركز عليها.
وتابع النائب البرلمانى حديثه: "اهتم بملف مكافحة الإدمان بشكل شخصى"، لافتًا إلى أنه سينظر فى اختصاصات الصندوق عندما تتم مناقشة قانون المجالس المتخصصة حتى تتم الاستفادة منه على أفضل نحو ممكن".
النواب تحدثوا عن عدم شعورهم بالدور الملموس للصندوق المنشئ منذ عام 1991 بقرار جمهورى رقم 46، والتى تتحدد الأهداف المرجو منه وفقًا للموقع الرسمى فى خمس نقاط على رأسها تطوير المنظومة التشريعية وبناء قاعدة معرفية حول قضية المخدرات بالتعاون مع كافة المراكز البحثية.
ومن الأهداف الأخرى بذل جهود فى تحقيق الوقاية الشاملة أى توعية الفئات المختلفة حتى لا يقعون فى فخ الإدمان، وكذلك التركيز فى علاج المدمنين وتوفير الرعاية الكافية لهم حتى يتعافون نهائيا، فيما تتمثل النقطة الأكثر تأثيرًا فى تعزيز التعافى الكامل حتى لا ينتكس المدمن ويعود إلى وضعه الأول، كما أنه يجب على الصندوق دعم منظمات المجتمع المدنى العاملة فى مجال مواجهة مشكلة المخدرات، وأخيرًا بناء قدرات الكوادر العاملة فى مجال مكافحة وعلاج الإدمان.
وحول تقييم مدى تحقق الأهداف السابق ذكرها على أرض الواقع تحدث الدكتور عبد الرحمن حماد مدير وحدة علاج الإدمان بمستشفى الصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة الذى يرى أن الصندوق يحتاج إلى تطوير كبير لمواكبة البرامج العالمية إضافة إلى الاستعانة بالكوادر القادرة على إحداث فارق.
وأوضح مدير وحدة علاج الإدمان بمستشفى الصحة النفسية أن التوعية لها الدور الأكبر فى مواجهة خطر الإدمان، مؤيدًا الانفاق عليها خاصة أنه يؤمن بأن كل دولار يتم صرف يوفر على التوعية يوفر 10 دولارات تصرف كتكاليف علاج أو حوادث طرق أو جرائم أسرية وما شابه من توابع الإدمان.
وأكد حماد أن العالم كله يهتم بالتوعية ويضع لها العديد من البرامج النوعية التى تجعلها قادرة على أداء رسالتها، مضيفًا: "يجب علينا فى مصر الاقتداء بتلك البرامج العالمية وتقليدها حتى تكون أكثر فعالية لاسيما أن نسبة التعاطى لدينا ضعف المعدل العالمى باعتراف صندوق مكافحة الإدمان".
وأشار مدير وحدة علاج الإدمان فى مستشفى العباسية إلى أنه صندوق مكافحة الإدمان يفتقر إلى الكفاءات والقيادات الشابة معا، على أن يتم اختيارها بناءً على الكفاءة وليس الولاء، مشيرًا إلى أن الوضع بشكل يحتاج إلى بلورت خطط واستراتيجيات لمواجهة خطر الإدمان الذى يعد فى تقديره المشكلة الأهم التى تواجه الوطن فى الفترة القادمة.
وكشف حماد أن دخول الترامادول فى معادلة الادمان فى مصر جعل الموقف أصعب بكثير خاصة أن الإقبال عليه متعددة سواء بالنسبة للشباب أو حتى الفتيات اللاتى يعانين من آلام الدورة الشهرية، مضيفًا: "ليس الترامادول فحسب إنما هناك مخدر الحيشيش والهيرون وغيرها من الأمور التى تُشكل خطرا كبيرا على مستقبل المصريين".
فيما، انتقدت دكتور شيرين شوقى، استشارى الطب النفسى استعانة الصندوق بالفنان محمد رمضان فى حملاته، مشيرة إلى أن اختيار رمضان أمر غير منطقى، خاصة أن معظم أعماله يظهر فيها مدخنًا، وتتناول فى سياقها مجتمعات تنتشر فيها تعاطى المواد المخدرة.
وترى استشارى الطب النفسى أن الصندوق غير قادر على القيام بدوره فى جانب التوعية نظرًا لوجود قوائم انتظار من أعداد كبرى تحتاج إلى العلاج، وتحتاج إلى تصور متطور لمساعدتها.
وتجدر الإشارة إلى أنه هناك العديد من الانتقادات وجهت إلى قرار غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى رئيس مجلس إدارة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، الصادر بتاريخ 12 مايو 2016، والذى ينص على تخصيص جائزة مالية بقيمة مليون جنيه بالتنسيق مع صندوق التمويل الأهلى بوزارة الشباب للأعمال الدرامية التى ستعرض فى رمضان المقبل والخالية من مشاهد التدخين وتعاطى المخدرات، وكذلك الأعمال التى تعرض هذه المشاهد متضمنة الآثار وتداعيات الإدمان على المتعاطين.
الانتقادات لقرار الوزيرة جاء بسبب الشكوى الدائمة من قلة الموارد المالية بالصندوق، وفى الوقت نفسه يتم تخصيص مبالغ كبير كجائزة لعمل فنى بدعوى أنها أحد أنواع تشجيع للفن الراقى الذى يهدف لتوعية المجتمع بأخطار الإدمان، لاسيما أن الأعمال الفنية التى تروج للتدخين والإدمان عددها أكبر بكثير، وتُحقق مكاسب كبيرة بينما الأجدى توجيه هذه المبالغ للمساعدة فى علاج المدمنين والمتعاطين على الشفاء.