العالم كله مفتوح على التفاصيل وهو أمر لا يحتاج إلى جهد كبير لمعرفته، الأزمة الاقتصادية العالمية تدور على الهواء، وتداعياتها واضحة على كل دول العالم شرقا وغربا، وحتى الاقتصادات القوية أصبحت تئن تحت هذا التأثير.
التداعيات تنعكس فى أزمات طاقة، وتظاهرات فى أوروبا، تنقلها الفضائيات والمنصات المختلفة، وسط حديث عن الترشيد أو إجراءات التقشف، وخفض الدعم، فى محاولة لكبح جماح أزمة مركبة، تغيب عنها سيناريوهات التوقع، وتضخم لم تواجهه الدول الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية، ارتفاعات أسعار الغذاء والنقل والكهرباء فى أوروبا إلى مستويات قياسية فى ظل نقص الإمدادات، وبعد تخطى موجة الحر الشديدة، تحاول أوروبا ملء مستودعات التخزين استعدادا لموسم ذروة الطلب على الطاقة فى الشتاء.
وجولة فى تقارير الاقتصاد العالمى تكشف كيف يواجه العالم أزمة غير مسبوقة، مثلا فى بريطانيا وحسب «الديلى تلجراف» خسر الجنيه الإسترلينى 1.5% من قيمته مقابل الدولار، ويساوى 1.12 دولار، وتسببت الأزمة الاقتصادية فى الإطاحة برئيسة الحكومة «ليز تراس» التى لم تكمل شهرا فى موقعها، وتتواصل الاحتجاجات فى ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا.
بالرغم من خطة تخفيضات ضريبية ضخمة من شأنها أن تخفض 45 مليار جنيه إسترلينى «وإعلان إنفاق 150 مليار جنيه إسترلينى أخرى لتجميد أسعار الكهرباء والغاز للمستهلكين لمدة عامين، حيث تتواصل الكارثة الاقتصادية فى كل الاتجاهات.
وفى كرواتيا، أبلغ مكتب الإحصاء الحكومى فى كرواتيا عن تسارع التضخم بمعدل 12.8 بالمائة على أساس سنوى، وهو رقم قياسى مطلق فى تاريخ الإحصائيات، وارتفعت أسعار المنتجات الغذائية الأغلى فى البلاد 19.1 بالمائة، وفى ألمانيا وصل معدل التضخم السنوى إلى مستوى قياسى بلغ 10 بالمائة وفى اليابان، لامس الين اليابانى أدنى مستوى له فى 32 عاما مقابل الدولار الأمريكى، بالرغم من تدخل اليابان فى سوق العملات العالمية للمساعدة فى دعم الين، وفى الولايات المتحدة ارتفعت معدلات التضخم بالرغم من تأثيرات قرارات البنك الفيدرالى على العملات فى العالم.
الشاهد أن العالم يواجه أزمة شديدة لا يمكن إخفاؤها وتمتد الطوابير فى أوروبا على البنزين والغذاء لمسافات بعيدة، والأزمة ليست خافية، فى جزئها العالمى، وردود الأفعال فى أوروبا والعالم، ومحاولات التعامل معها وكبح جماحها.
وفى مصر لسنا بعيدين عن الأزمة سواء على مستوى الاقتصاد والحوافز للصناعة واستمرار الأنشطة الاقتصادية والتدخل لمعالجة أى أزمات تظهر، مثل أزمات الأعلاف أو مستلزمات الصناعة، واستمرار العمل فى المشروعات الكبرى، و«حياة كريمة»، على العكس من بعض الآراء التى تصورت أن إيقاف المشروعات يمكن أن يخفف من الأزمة بينما العكس هو الصحيح لأنه يؤثر على الاقتصاد عموما، ويحرم 5 ملايين أسرة من فرص عمل ودخل.
وأثناء أزمة كورونا كانت نفس المطالب بإيقاف المشروعات، لكن الدولة واصلت العمل مع إجراءات احترازية، وسياسات مرنة مع دعم للأسر والعمالة، ونجحت الخطة فى امتصاص التأثيرات السلبية، بما يعطى تأكيدات على نجاح مصر فى عبور أزمة أربكت اقتصادات كبرى.
وبجانب استمرار العمل هناك إجراءات اجتماعية ودعم للأسر لمدد تصل إلى 6 أشهر أو أكثر، والحفاظ على أسعار الخبز والمواد الأساسية لملايين الأسر، مع إجراءات أخرى واستمرار العمل فى المشروعات مثل مبادرة «حياة كريمة»، أو المشروعات الزراعية التى أسهمت فى تأمين نسبة من المحاصيل ومنها القمح، وهذه المشروعات كانت محل تشكيك، وشائعات عن عدم القدرة على إنجازها، ووصل الأمر إلى أن تصبح شبكات الطرق، ومحطات الكهرباء، أو المدن السكنية ومصانع النسيج والمواد الغذائية والأدوية محل تساؤلات.
وأثمرت جهود التنمية فى افتتاح مصانع وتوسيع استثمارات، آخرها افتتاح مصنع منتجات الرمال السوداء فى كفر الشيخ، وهو واحد من مجموعة مصانع لاستخلاص المعادن والخامات الصناعية من الرمال السوداء، وقبلها مشروعات زراعية مثل، مستقبل مصر، وتوشكى، واستمرار تشجيع القطاع الخاص، وكل هذا يتم وسط أزمة غير خافية، وفى حال غياب هذه الأنشطة كان يمكن أن يكون الشعور بالأزمة الاقتصادية مضاعفا.
نعم هناك ارتفاعات فى الأسعار مع سيطرة نسبية على السوق مثلما حدث مع الأرز أو استمرار الخبز والتموين ومضاعفة المقررات لملايين الأسر لمدة 6 أشهر.
الرئيس السيسى، قال فى الندوة التثقيفية بمناسبة ذكرى العبور إن توصيف الأزمة وتشخيصها والتخطيط والإخلاص هى السبيل للتعامل مع الأزمة وعبورها.
وهناك تقييمات إيجابية للاقتصاد من مؤسسات دولية، وبعيدا عن التقييمات الدولية فإن أى متابع منصف، يرى أننا نعانى أقل من مواطنى دول كبرى، وأن الحوار والرأى المتنوع والقلق ليست من المحرمات، لكن فقط البحث عن تصورات وسيناريوهات تقرأ ما يجرى بشكل موضوعى وبناء على معلومات، ومن تجربة المصريين على مدى 9 سنوات، فقد عبرنا مراحل أكثر صعوبة، ونجحت الدولة فى تخطيط وتنفيذ مشروعات كبرى فى البنية الأساسية والزراعة، واستعادت مشروعات وصناعات، مع خطوات فى تأسيس مجالات التنمية وفتح الباب لاستثمارات من الداخل والخارج.
والهدف ليس بيع الوهم، لكنه أيضا ليس السياقات التى تسعى بعض الأطراف لتصديرها بهدف نشر اليأس، نعم هناك أزمة عالمية، لكننا قادرون على تخطيها بالعمل والاستناد لتجاربنا خلال 9 سنوات، خاصة أننا بصدد مؤتمر اقتصادى يجمع الخبراء من كل الأطياف، يمكنهم طرح آراء متنوعة وأفكار من داخل وخارج الصندوق، ضمن حوار لا ينقطع عن الحاضر والمستقبل.
وإذا كان أحد لا يمكنه إنكار أو إخفاء ما يجرى، فإن الأمل يأتى من العمل والمواجهة دون تهوين أو تهويل.