كانت الساعة الحادية عشرة صباح 25 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1973، حين اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، برئاسة الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية، حسب الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى مذكراته «حرب أكتوبر»، مضيفًا: «كان الاجتماع هو الأول منذ اندلاع القتال ضد إسرائيل يوم 6 أكتوبر 1973، وكان الموضوع الرئيسى للمناقشة هو كيف يمكن إعادة فتح الطريق إلى الجيش الثالث، وتكلم المجتمعون كلهم بإخلاص تام، ولكننا لم نستطع الوصول إلى أى حل، وانفض الاجتماع على أساس إجراء الدراسات اللازمة».
يذكر الفريق عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث فى مذكراته، «الصراع العربى الإسرائيلى»، أنه فى هذا اليوم «25 أكتوبر» تم تعزيز مدينة السويس بالمزيد من مجموعات اقتناص الدبابات، التى زادت من نشاط المقاومة وأعمال التسلل إلى مناطق تجميع العدو والإغارة عليها مسببة المزيد من الخسائر، فلجأ العدو إلى قطع المياه عن المدينة لإجبارها على التسليم، وقام بردم ترعة السويس من جنوب فايد وتحويل المياه إلى البحيرات المرة.
كان العدو الإسرائيلى يفعل كل ما بوسعه بوهم أن السويس سترفع رايات الاستسلام فى نهاية الأمر، لكن قوات الجيش الثالث وفدائيى السويس وأفراد منظمة سيناء كان لهم الكلمة العليا فى الدفاع عن المدينة ورفض الاستسلام، وفقًا لتأكيد الفريق واصل.
يقدم المؤرخ السويسى «حسين العشى» فى كتابه «خفايا حصار السويس، 100 يوم مجهولة فى حرب أكتوبر»، صورة واقعية عما شهدته المدينة من بطولات فى هذا اليوم.. يؤكد أن الدبابات الإسرائيلية المتمركزة على محور الزيتية اقتحمت صباح 25 أكتوبر مبنى شركة السويس لتصنيع البترول، الذى كان بداخله 300 شخص من العاملين المدنيين بالشركة، وأبلغوا «سعد الهاكع» المدير المناوب بأنهم يريدون الاتصال بمحافظ السويس بدوى الخولى، رد «الهاكع» بأنه لا يعرف مكانه، فهددوه باتخاذ إجراءات عنيفة مع العاملين المدنيين إذا لم يتصل بأى مسؤول فى المدينة، وأجبروه على الاتصال بغرفة عمليات الدفاع المدنى فى «الأربعين»، وبالصدفة وحدها رفع المحافظ سماعة التليفون، وكان ذلك فى الساعة التاسعة والنصف صباحا.
يذكر «العشى» شهادة المحافظ كما رواها له وهى: «كلمنى ضابط يهودى: أين المحافظ؟ كان يتكلم بلهجة شامية، فقلت له: المحافظ غير موجود؟ فطلب منى أن أبلغه، أى المحافظ، تسليم المدينة فورًا، فقلت له: المحافظ لن يسلم المدينة، لكن رحمة الله كانت معنا من فيض، لأنى قلت للموجودين من حولى: اليهود يطلبون منى تسليم المدينة، كيف هذا؟.. كيف أنهى حياتى بالتسليم.. غير معقول».
يواصل المحافظ «بدوى» شهادته: «بعد هذا اتصلت بالقائد العسكرى عادل إسلام حتى أعرف إمكانياته، وكنت قد علمت أنه فى جامع الشهداء منذ يوم 24 أكتوبر الساعة 12 حتى يوم 25 صباحا، وبعد هذا تم اتصال آخر من الضابط اليهودى، وطلب منى أن أبلغ المحافظ بالحضور ومعه السيد مدير الأمن والقائد العسكرى فى سيارة، ومعهم علم أبيض إلى الاستاد وكل المدنيين، وأضاف أنه سيؤمنوننا وإلا سنضرب السويس فى ظرف نصف الساعة عن آخرها، وسيبيدون كل الموجودين، وأعطانى معلومات كاملة عن موقفنا داخل البلد، قائلا: «ليست لديكم مياه، وليست لديكم السيطرة على القوات، الدقيق لديكم يحترق، لا كهرباء، وليس أمامكم غير التسليم».
رد بدوى عليه قائلا: «المحافظ لن يسلم البلد، وأنا لست مسؤولا عن هذا الموضوع، على كل حال الصليب الأحمر وصل، رد اليهودى: ما فيه صليب أحمر، أنت بتغشنى، فقلت له: وحتى هيئة الأمم المتحدة وصلت».
يتذكر «بدوى»: «قلت هذا ووضعت السماعة، وأعطيت القاهرة إشارة نصها كالآتى: اليهود أنذرونى بالتسليم فى ظرف نصف الساعة، وإلا سنضرب بالطيران، وليس عندى مياه ولا ذخيرة، ولا أسيطر على أى قوات، ودقيقى يحترق..أوامركم».. ردت القاهرة فى الساعة التاسعة وخمسة وخمسين دقيقة: «لا تسليم»، يؤكد الخولى: «طلبت من مدير الأمن أن نذيع بين الناس ما حدث، فكلف قائد الدفاع المدنى ليذيع بين الناس أن اليهود أنذروا المحافظ بالتسليم، وأنهم سيضربون البلد بالطائرات، وأننا سنقاوم وعلى كل فرد أن يأخذ لنفسه ساترًا، وقام الشيخ حافظ سلامة بإذاعة نفس الكلام فى مسجد الشهداء».
يؤكد العشى: «فى الوقت الذى كانت فيه الاتصالات تدور بين القوات الإسرائيلية والمسؤولين فى السويس، كانت الناس فى الشوارع تقوم بمهمة أخرى من شقين، الأول: تأمين المدينة عسكريًا فى مواجهة احتمالات معاودة القوات الإسرائيلية لهجومها قبل وصول القوات الدولية، والشق الثانى هو الاستعداد لمواجهة الأيام الصعبة التى بدت بوادرها تزداد وضوحًا». فى مساء 25 أكتوبر، اضطرت القيادة الإسرائيلية إلى الاعتراف بفشلها فى دخول السويس بعد البرقية الكاذبة التى أذاعتها مساء يوم 24 أكتوبر عن أن قواتها داخل السويس.