على امتداد عدد من الشوارع الرئيسية بالجيزة ينتشر مجموعة من عمال النظافة أو هكذا يبدون للوهلة الأولى عندما تقع عينك عليهم وهم يرتدون "الأفرول" وبيدهم المكنسة، يترجلون فى الطرقات حتى تصادفهم سيارة ينتوى صاحبها التحرك، فتبدأ المهمة بتظاهر أحدهم أنه ينظف الشارع مقتربا من منها فى خطوات ثابتة حتى يستعطف صاحبها ليحصل على بعض الصدقات.
ليس بالضرورة أن من يقوم بذلك هم عمال تابعون للهيئة العامة للنظافة والتجميل، ولكن هناك من يدعى عمله فى هيئة النظافة لاكتساب مزيد من تعاطف المواطنين معهم، لما هو معروف عن سوء الأوضاع المادية التى يعانى منها العاملون فى هذا المجال، فالبعض يلجأ لشراء "أفرول البلدية" لكى يستطيع "الشحاتة" تحت ستار نظافة الأحياء والشوارع.
"انفراد" رصد قيام عدد من الأشخاص بتنظيف الشوارع فى منطقة الدقى وفى نفس الوقت محاولاتهم المستمرة فى استعطاف المواطنين، من بينهم شخص يدعى محمد على الذى جاء من منطقة المناشى للعمل مع أحد متعهدى النظافة فى الشركات الخاصة، يقول محمد إنه بعد انتهاء أوقات عمله مع متعهد النظافة يحاول أن "يسترزق" على حد قوله بعد استعطاف المواطنين وأنه لن يجد أفضل من ارتدائه لملابس البلدية حتى يحقق ما يريد.
محمد على البالغ من العمر 51 عاماً يرى أن ما دفعه لمد يده هو احتياجه للمال وعدم كفاية عائد عمله الذى يبلغ 600 جنيه فى الشهر فقط، ولا يكفى للإنفاق على أسرة مكونة من 5 بنات وهو وزوجته، ثم اختتم حديثه بصوت يأس قائلا "مستنى طول عمرى حد يجبلى وظيفة محترمة لو جات أنا مش محتاج أمد إيدى".
على بعد أمتار من كوبرى الدقى التقى "انفراد" عاملا سابقا فى إحدى الشركات المختصة بنظافة الشوارع ويدعى إبراهيم، الذى روى دوافعه للوقوف مرتديا ملابس عمال النظافة على غير حقيقة عمله، مشيراً إلى أنه أتى من أقصى جنوب الجيزة متجولاً فى شوارعها الراقية لكى يسترزق ما يكفيه من أموال تكفيه وأسرته. وأكد أنه يعمل فى أحد مصانع الطوب لكن نظرا لسوء الأوضاع لم يعد المصنع يعمل بكافة طاقته قائلا "يوم فى شغل والباقى لا.. ولو لاقيت الوظيفة المناسبة أكيد مش هاضطر اعمل كدا".
وكشف أنه وزملاءه يختارون شوارع مدينة نصر والدقى والعجوزة والمهندسين والزمالك والسادس من أكتوبر نظرا للمستوى الاقتصادى المرتفع للمواطنين الذين يعيشون فيها.
فى محيط المتحف الزراعى بالدقى التقينا إبراهيم عبد الخالق عامل نظافة بالهيئة العامة للنظافة والتجميل، قائلا "الكثير من الفقراء يرتدون ملابس عمال النظافة بهدف التسول بعضهم كانوا عاملين فى شركات نظافة وتركوا عملهم"، لافتا إلى أن العاملين فى الهيئة أيضا يسعون لكسب عطف الناس قائلا "أنا عارف زملاء خرجوا على المعاش لكنهم بينزلوا الشارع بنفس الزى عشان ياخدوا فلوس من الناس لأن معاشهم قليل جدا".
على الصعيد الرسمى يقول المهندس حافظ السعيد رئيس هيئة النظافة والتجميل، إن الجزء الأكبر من الذين يتسولون تحت ستار عمال النظافة لا ينتمون للهيئة بصلة، قائلا "فى نفس الوقت لا يمكن منع تعاطف المواطن معهم لأن الناس يرون فيهم أنهم فقراء ويعطوهم صداقات".
وشدد السعيد لـ"انفراد" أن مواجهة من ينتحلون صفة "زبال" من أجل التسول تقع على عاتق جهاز الشرطة فهو من يمتلك الضبط والإحضار لمن يخالف القانون، مشيراً إلى أنه كلما وقعت فى يده حالة يسلمها للشرطة، مشيرا إلى أن إحدى الحالات التى تم ضبطها كان معها 300 جنيه بعد ساعة واحدة عمل.
وعلق السعيد على أن بعض العاملين فى الهيئة يقومون بالتسول سواء أثناء عملهم أو بعد خروجهم إلى المعاش، بأن مبرر هؤلاء أن المرتبات والمعاشات التى يتقاضونها قليلة للغاية ولا تكفى احتياجاتهم.