بعد مرور عام على توقيع الاتفاق النووى، الذى أُبرم بين إيران والدول الست الغربية، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فى 14 يوليو 2015، يكبح القدرات النووية لطهران، والتى تثير مخاوف الغرب مقابل تخفيف العقوبات عليها، ما زال هناك زخما كبيرا من تحليلات نتائج وأسباب الاتفاق التاريخى.
ما يدور فى فلك الدوائر السياسية لدى طهران، أن الاتفاق النووى لم يحقق ما راهنت عليه فيما يخص جذب للاستثمارات أو الاعتراف الدولى بدورها فى المنطقة، بل وجد قادة طهران أنفسهم أمام سيناريو آخر، بعد بدء رفع العقوبات، وجدوا أن هناك ضغوطا غربية أخرى على ملفات جديدة منها ملف التسليح والاختبارات الصاروخية، فى وقت أكد فيه قاطرة طهران العسكريون أن "لا تفاوض على القدرة العسكرية"، وخامنئى الذى قال إن مستقبلنا فى الصواريخ وليس الاتفاق النووى، وكانت رسالة واضحة للتيار الإصلاحى الذى حاول الاقتراب من الغرب بذريعة الاتفاق النووى، لتحسين صورة بلاده فى الخارج.
أما فى الداخل الإيرانى فلا يزال الصراع المسيطر على المشهد السياسى، بين التيارين الإصلاحى والمحافظ (المتشدد)، والذى زاد بعد الاتفاق، ورفض التيار الأخير الاتفاق جملة وتفصيلا، يشاطره الرأى مؤسسة الحرس الثورى، والمرشد الأعلى على خامنئى، إن لم يتمكن من إعلان رفضه للعلن، لكنه لم يؤيده بشكل مباشر.
وعلق محمد عباس ناجى، رئيس تحرير مختارات إيرانية، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قائلا "إن الاتفاق النووى أنتج تبعات عكسية على إيران، لأن التكهنات التى كانت تقول إن إيران هتتجول فى المنطقة لم تكن سليمة كانت مبالغ فيها".
وأضاف لـ"انفراد" إيران لم تأخذ الأموال التى تم الإعلان عنها (150 مليار دولار) بل استعادت 30 مليار فقط، بالإضافة إلى المشكلات الكثيرة التى تعانى منها، لذك لم تمكنها هذه الأموال من دعم حركاتها بشكل كبير فى المنطقة.
وأوضح عباس ناجى أن الاتفاق جعل دول فى المنطقة تتحرك وحدها مثل دول مجلس التعاون الخليجى، التى اتخذت مواقف دبلوماسية وجهت رسالة عبرها مفادها "أنها لن تسمح بعربدة إيران فى المنطقة".
وقال إن الأمريكان غيروا نظرتهم لإيران، لكن فى نفس الوقت لا نقول إنها أطلقت يدها فى المنطقة، لأنهم بدأوا فى تجهيز ملفات أخرى للضغط على إيران، مثل ملف الصواريخ الباليستية، ودعم الإرهاب... إلخ.
الاتفاق لم يؤتِ ثماره على الشعب الإيرانى والفساد انتشر
وفى الداخل، قال رئيس تحرير مجلة مختارات إيرانية، حتى الآن الاتفاق لم يؤتِ ثماره على الشعب الإيرانى، العوائد المالية صغيرة، كما أن جهود روحانى لم تؤتِ ثمارها، صفقات الطائرات معطلة، هناك فى الداخل مشكلات كثيرة، الفساد متفشى، الحرس الثورى يفرض سيطرته على الاقتصاد، هناك مخاوف من الشركات والبنوك الغربية فى التعامل مع طهران.
من جانبه قال الخبير السياسى الإيرانى رضا حجت شمامى، إن الاتفاق النووى فى حد ذاته مازال يشير إلى دبلوماسية ناجحة بين القوى الدولية وإيران.
لم تحدث انفراجة اقتصادية
وأكد شمامى لـ"انفراد" أن ذلك لا يعنى حصول انفراجة كبيرة فى المجال الاقتصادى، مضيفا، طبيعى أن تأخذ التغيرات على المستوى الكبير وقتا والتغير سيكون بشكل أكبر نفسى على قطاعات بسيطة ولمدة متوسطة من التأثير الاقتصادى الملموس.
وأضاف شمامى أن حكومة روحانى حاولت منذ البداية ربط مسألة المفاوضات النووية والاتفاق وبالاقتصاد لذا توقع الشعب الإيرانى أن يشهد انفتاح اقتصادى على مستوى كبير، وهو ما لم يحدث.
وأكد على أن روحانى نجح فى القطاع الدبلوماسى أن يؤسس جسر وتواصل بين إيران والقوى المؤثرة فى العالم، لكن على مستوى الدبلوماسية العامة فى الداخل لم يكن موفقا، ولايزال غير قادر على إيجاد جو عام داخل البلاد، يدرك فيه الشعب أنه ينبغى عليه أن يصبر على نجاح الاتفاق النووى ويصل إلى أهدافه ومنافعه بشكل تدريجى.
ورأى شمامى أن ذلك على المدى البعيد من الممكن أن يؤثر على الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
وأضاف المحلل الإيرانى أن الانتخابات التشريعية التى جرت فبراير الماضى، حددت توجه الرأى العام، ورغم ذلك فإن استمرار المشكلات الاقتصادية من الممكن أن يخفض شعبية روحانى، رغم أن الاتفاق النووى أدى إلى ارتفاع شعبيته، لكن بعد الاتفاق يجب عليه أن ينجح فى ملفين هما، الاقتصادى والدبلوماسية العامة، وحتى الآن لم ينجح فيهما، وعلينا ألا ننسى أن روحانى لم يعد أمامه وقتا كبيرا.
وصرح بأن معارضى روحانى يعارضون إجراء تتخذه حكومته، مشيرا إلى أن التيار الأصولى والإصلاحى معارض لتوجهات كل منهما الآخر، وكشف أن الأصوليين يسعون لاستعادة كرسى الرئاسة مرة أخرى العام المقبل، لأنهم يرون أن الاتفاق النووى فشل، خاصة عندما يرون الغرب يربط بين الاتفاق النووى ودعم إيران لسوريا وحزب الله وبين الاختبارات الصاروخية.
من جانبه أجرت مؤسسة "إيران بل" المتواجدة فى كندا داخل إيران، أن أكثر من 73% من الإيرانيين يرون أن وضعهم الاقتصادى لم ينتعش بعد الاتفاق النووى.
ووفقا لاستطلاع الرأى الذى نقلته وكالة أنباء فارس الإيرانية، والذى تم عبر الاتصال بـ1007 من الإيرانيين فى الداخل، فى الفترة من 17 وحتى 27 يونيو، أن 26.2% من الإيرانيين كان يعتقدون أن بموجب الاتفاق النووى سترفع الولايات المتحدة العقوبات، لكن اليوم أصبح 23.4% فقط يتصورون ذلك.
وكما أن 72% لا يثقون فى التزام أمريكا بتعهداتها فى الاتفاق النووى، و66.1% يرون أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى عبر طرق أخرى الاحتفاظ بأثر العقوبات السلبى على طهران.
ووفقا للاستطلاع فإن شعبية روحانى انخفضت 23%، وأن 45% فقط سوف يدلون بأصواتهم للرئيس الإيرانى حسن روحانى فى الانتخابات الرئاسية العام المقبل، بعدما كان العام الماضى 53.4%، و36.7% مستعدين لمنح أصواتهم لمنافسة أحمدى نجاد.
كما أن دعم الإيرانيين للاتفاق انخفض 13%، و62.6 % فقط يدعمون الاتفاق النووى بعدما كان العام الماضى 75.5%.