كل من يريد تقييم السياسات المصرية فى إدارة الأزمة العالمية يجب أن ينظر للأمر من زاوية أوسع، مع نظرة على حال الاقتصادات العالمية الكبرى، والتأثيرات الواضحة على هذه الدول، حيث جاءت تأثيرات تضخمية بعد كورونا، ضاعفتها الحرب الروسية الأوكرانية، انعكست فى وضع الطاقة وارتفاع الأسعار التى أصبحت الشغل الشاغل لمواطنى العالم ومنهم المصريون بعد موجة الغلاء التى طالت أغلب السلع والخدمات. وتزامن هذا مع قرارات البنك الفيدرالى الأمريكى برفع أسعار الفائدة، وهو ما انعكس على الفائدة فى كل البنوك المركزية بالعالم، فقد رفع البنك الأوروبى الفائدة أمس الخميس، تزامنا مع قرارات البنك المركزى المصرى، وبالتالى فإن الإجراءات والقرارات تأتى بناء على آراء وتحليلات الخبراء للتعامل مع أزمة غير مسبوقة، وسيناريو غير واضح المعالم لنهايته.
وقد واجه الاقتصاد العالمى سوء حظ مزدوج، حيث لم تنته تأثيرات كورونا، حتى بدأت الحرب الروسية الأوكرانية بتداعياتها الواضحة، والتى تتطلب الكثير من الصبر والدقة، فى التعامل، وقد نجحت إجراءات الإصلاح الاقتصادى الأولى فى تمكين الاقتصاد من امتصاص صدمة كورونا والتعامل معها بسياسات مرنة، وإتاحة القدرة على إنجاز مشروعات كبرى تمثل إضافات لأصول الدولة، فضلا عن تسهيل فرص الاستثمار الصناعى والزراعى، بجانب مشروعات زراعية وصناعية استراتيجية أدت الى توفير احتياطيات السلع الأساسية من القمح والمواد الأساسية.
مبكرا بدأت الحكومة معالجة التأثيرات المباشرة، مع الحفاظ على حركة الاقتصاد واستمرار الاستثمارات وخلق فرص عمل، من خلال القطاع الخاص والأنشطة المختلفة والمشروعات.. وأكدت الحكومة ضمان احتياطى القمح والسلع الأساسية، مع دعم إضافى للفلاحين ورفع أسعار توريد القمح لضمان تدفقه إلى الصوامع بما يؤمن الاحتياجات الأساسية من الخبز لمدة 6 أشهر.
وفيما يتعلق بضبط الأسعار، وجه الرئيس السيسى الحكومة بجانب توفير الاحتياطى من القمح والسلع الأساسية، بتوسيع الرقابة على الأسواق، وهو ما انعكس فى لجان وضبطيات نجحت فى وقف الاحتكار من بعض التجار، مع دراسة تكلفة إنتاج رغيف الخبز الحر غير المدعم وتسعيره، وأن توفر وزارة التموين الدقيق اللازم للمخابز لضبط السعر، مع قيام مباحث ومفتشى التموين بالتأكد من التنفيذ.
ويفترض أن توسع الأجهزة الرقابية عملها بشكل كبير، لمواجهة التلاعب فى الأسعار، والتعامل بحسم مع تطبيق القانون وتفعيل عمل حماية المستهلك وجمعيات حماية المستهلك وأجهزة الرقابة التموينية والمحلية، بالشكل الذى يجعل تأثيرات التضخم فى حدها الأدنى.
وقبل قرارات البنك المركزى الأخيرة، وجه الرئيس الحكومة بعدم فرض أعباء جديدة على المواطن، والسعى لزيادة إجراءات الحماية الاجتماعية، وأعلنت الحكومة حزمة من القرارات المتعلقة بالحماية الاجتماعية، سبقتها بتثبيت أسعار الوقود، وحزمة يبدأ تطبيقها الشهر المقبل بتكلفة 67 مليار جنيه، تتضمن رفع الحد الأدنى للأجور وعلاوة استثنائية لمجابهة غلاء المعيشة بقيمة 300 جنيه لجميع العاملين بالدولة وتشمل أصحاب المعاشات، واستمرار عدم زيادة الكهرباء للعام الثالث على التوالى، ورفع حد الإعفاء الضريبى ودعم للشركات التى تعثرت لمنع تسريح العمالة.
بالطبع فإن قرارات البنك المركزى الأخيرة جاءت للسيطرة على معدلات التضخم وضمان استقرار الأسعار بالسوق بشكل سريع، خاصة أن استمرار وجود أكثر من سعر للدولار، ووجود سوق مواز تسببا فى نقص العملة، وارتباك الاستيراد لمستلزمات الإنتاج، وكان ضروريا أن يتم اتخاذ إجراءات لاستمرار الحفاظ على صلابة القطاع المصرفى ورفع كفاءة عمل سوق سعر الصرف بما يسهم فى تعزيز الاستدامة والصلابة للاقتصاد وزيادة رصيد الاحتياطيات الأجنبية على نحو تدريجى ومستدام، والانتقال وبصورة دائمة إلى نظام سعر صرف مرن حيث يعتبر ذلك خطوة مهمة للتعامل مع أى فجوات بميزان المدفوعات ولتعزيز قدرة مصر التنافسية.
وحسب خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال فإن قرارات البنك المركزى بعد استقرارها، تنعكس فى استقرار، وأن تخفيف الاعتمادات المستندية يسهم فى توفير الخامات الإنتاجية وبالتالى الإنتاج المحلى، مع توقعات دولية بانتعاش فرص الاستثمار، فضلا عن دعم التصدير، وإنهاء ارتباك الأسواق والقضاء على السوق السوداء.
الشاهد أن هذه الإجراءات تتم بناء على دراسات السوق وقواعد الاقتصاد، وتأتى بعد يومين من مؤتمر اقتصادى بمشاركة متنوعة لخبراء اقتصاد ورجال أعمال، وضمن سياسة معلنة، لم يظهر لها بديل آخر. وتمثل خيارا مرنا فى مواجهة أزمة أربكت اقتصادات كبرى.