يعمل الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف جاهدا منذ توليه منصبه على محاربة وملاحقة شيوخ وأئمة السلفيين والإخوان وطردهم من المساجد التى سيطروا عليها، واتخذ الوزير عدة خطوات لتحقيق هذا الهدف، بالتشديد على تجريم من يعتلى المنبر دون ترخيص من الوزارة .
وظن الوزير أن جهوده لإحكام قبضته على منابر المساجد ستؤتى نتائجها، دون أن يدرك أن عددا من هذه الإجراءات سيترتب عليه آثار عكسية ، بل وستؤدى لنفور الناس من الوزارة ومشايخها ومساجدها، وقد يمنح فرصة أكبر لمشايخ التطرف والمشايخ من خارج الأزهر والأوقاف لكسب مزيد من الشعبية والمريدين.
بدأت إجراءات الوزير بمحاولات تجريم من يعتلى المنبر من غير أئمة الأزهر والأوقاف وذلك بإصدار القانون رقم 51 لسنة 2014 بتنظيم الخطابة والدروس الدينية فى المساجد، والذى نص فى مادته الخامسة على عقوبة الحبس بمدة لا تقل عن شهر ولا تتجاوز سنة، وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد عن خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين لمن خالف المادة الثانية، التى تنص على عدم ممارسة الخطابة أو التدريس الدينى، إلا وفق ترخيص من وزارة الأوقاف أو من مشيخة الأزهر، ومضاعفة العقوبة فى حال تكرار ذلك، وهو القانون الذى رأى فيه الكثيرون احتكارا وتقييدا وتسيسا للخطاب الدينى بما يتوافق مع وجهة نظر الدولة ،و نوعا من "تأميم" الدعوة.
ورغم ذلك فقد كانت وجهة النظر المؤيدة لهذا القانون لها وجاهاتها بدعوى ضبط الخطاب الدينى ووقف التشدد فى المساجد، وبالفعل تم إلغاء تصاريح أكثر من 55 ألف إمام من العاملين بنظام المكافأة، واعتبار أى تصاريح سابقة لاغية ما لم تجدد، كما تم تحرير العديد من المحاضر لمن اعتلوا المنابر بالمخالفة لهذه الاشتراطات.
ولم يترك الوزير أى مناسبة من المناسبات إلا وحذر فيها من اعتلاء المنابر لغير المصرح لهم ، وأطلق تصريحاته الوردية باتخاذ الاحتياطات اللازمة التى تكفل تنفيذ ما اتخذه من قرارات، ومنها وجود خطيب أساسى وخطيب احتياطى فى كل مسجد، وهو التصريح الذى ثبت مخالفته لما يحدث على أرض الواقع فى أول اختبار له، فلأول مرة يتم إلغاء صلاة الجمعة بأحد أهم وأشهر مساجد القاهرة وهو مسجد الرفاعى فى حى القلعة وذلك يوم الجمعة الموافق 8 يوليو ، حيث فوجئ المصلون بعد رفع الأذان بعدم حضور إمام وخطيب المسجد ورفض العمال صعود أى شخص آخر لأداء خطبة الجمعة وإقامة الصلاة لأن الوزارة ترفض صعود غير أئمتها للمنابر، وهو ما أثار غضب المصلين بحسب مانشر ببعض الصحف .
ما حدث بتعطيل صلاة الجمعة فى أحد أشهر المساجد يؤكد أن القرارات التى يتخذها الوزير ويشدد عليها لا يتم تنفيذها على أرض الواقع ، وهو ما تسبب فى استفزاز مشاعر المواطنين بوقف شعيرة من الشعائر وإلغاء صلاة الجمعة بأحد أكبر المساجد وهو ما يمكن أن يستثمره المتطرفون لإثبات عدم حرص المؤسسات الدينية الرسمية على إقامة الشعائر وأنها تسعى لتعطيلها.
ولمزيد من التشديد والرقابة على المساجد أصدر الوزير قرارا آخر أثار غضب الكثيرين ومنهم عدد كبير من الأئمة ومتوقع أن يأتى بتأثيرات سلبية عند تطبيقه وهو قرار توحيد خطبة الجمعة وتعميمها فيما يسمى "الخطبة المكتوبة" والتى يسعى من خلالها لمزيد من السيطرة على منابر المساجد ، وذلك بتشكيل لجنة علمية من الإدارة العامة لبحوث الدعوة بديوان عام الوزارة تقوم بإعداد وصياغة موضوعات خطب الجمعة ويقتصر دور الإمام والخطيب على قراءة هذه الخطبة ، بحيث تقترح اللجنة 10 عناوين للخطبة يتم عرضها على وزير الأوقاف ليختار منها.
وأشارت الوزارة فى تبريرها لقرار الخطبة المكتوبة إلى أن بعض الخطباء لا يملكون أنفسهم على المنبر سواء بالإطالة، أو بالخروج عن الموضوع بما يربك المستمع ويشتت ذهنه، كما أنه يتم أحيانا الدخول فى أمور سياسية أو حزبية لا علاقة لها بمضمون خطبة الجمعة.
تبرير الوزارة لقرار الخطبة المكتوبة ينسف كل التصريحات الوردية عن إعداد الدعاة بالأزهر والأوقاف وعن الفكر الوسطى الذى تسعى الأوقاف لنشره كبديل للفكر المتشدد ، ويفقد أى ثقة فى أئمة المؤسسات الرسمية بعد أن شككت الوزارة فيهم وأكدت على أن دورهم يقتصر على قراءة الخطبة فقط .
فكيف يثق المصلون بإمام يقتصر دوره على قراءة الخطبة ، إمام أكدت الوزارة التابع لها ضمنيا بأنه غير مؤهل لصياغة خطبة واعتلاء منبر، وهو ما أثار غضب أئمة الأوقاف أنفسهم ودشن بعضهم هاشتاج" لا للخطبة المكتوبة" وأكدوا أنها إهانة لهم وتعنى موت الإمام فكريا وإبداعيا، حيث لم يعد هناك حاجة للقراءة والاطلاع، لأن كل ما يحتاجه تطبيق هذا النظام مجرد قارئ جيد وليس خطيبا أو فقيها يتصدى للدعوة ويساعد على نشر الفكر الوسطى .
وكيف يمكن توحيد الخطبة التى يجب أن تناقش مشكلات المجتمع وتتناسب مع الظرف المكانى والزمانى ، وقد سبق وأكد د محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف الأسبق رفضه للخطبة الموحدة رغم تحمسه لمشروع الآذان الموحد، مؤكدا أن الخطبة التى تصلح لأهل الريف تختلف عن الخطبة التى يتم إلقاءها على أهل المدينة أو المناطق العشوائية.
سيادة الوزير قرارتك تهز الثقة فى أئمة المؤسسة الدينية الرسمية وتترك أثرا عكسيا لصالح أئمة التطرف والتشدد، وتؤكد أن كل جهود إعداد الدعاة ونشر الفكر الوسطى مجرد تصريحات فقط ، بل إنك بهذه القرارات تمنح فرصة عمل ومزيدا من المريدين لأئمة التطرف من جديد.