بكل المعايير، تجاوز حجم وشكل التمثيل فى قمة المناخ، السابعة والعشرين فى شرم الشيخ، كل التوقعات والتحليلات التى سبقت الانعقاد، الحضور بهذه الكثافة والمشاركة والفاعلية، عوامل تمثل نجاحا مهما للدبلوماسية، والجهد الذى بذلته مؤسسات الدولة وقاده الرئيس عبدالفتاح السيسى على مدار عام كامل، باتصالات مباشرة وفعاليات إقليمية ودولية، واستعدادات وتجهيزات على كل المستويات.
وجاء انعقاد القمة بهذا الحضور مفاجئا لكثير من المحللين، الذين ظنوا أن الأحداث الجارية يمكن أن تؤثر على القمة، فالعالم فى أزمة اقتصادية، وهناك اختلالات فى سوق الطاقة، وانعكاسات متعددة على جبهات مختلفة فى العالم، وأوروبا على أبواب شتاء قلق، والحرب فى أوكرانيا تدور وتتقاطع وتنتج المزيد من دخان الأزمات، والذى يحجب الرؤية، وفى ظل كل ذلك تغيب سيناريوهات الحل، مع حالة «عدم يقين» تجتاح العالم.
خلال ثلاث سنوات فقط واجه العالم أزمتين، كل واحدة منهما شديدة الوطأة على الاقتصاد وطبيعة الحياة على الأرض، وكلتاهما غير متوقعة، جائحة كورونا التى سيطرت على العالم، وغيرت من سلوكيات البشر، لتأتى فى أثرها الحرب الروسية الأوكرانية فضاعفت من تأثيرات أزمة كورونا، وهذه العوامل التى تمثل ضغطا، لم تمنع أن تشهد قمة المناخ هذا الحضور والتفاعل، وهو أمر يشكل تقديرا عالميا للدولة المصرية، خاصة أن المحللين لم يتوقعوا هذا الحضور من زعماء العالم، خاصة الدول الصناعية الكبرى التى تمثل الطرف الفاعل فى اتفاق باريس، «بريطانيا والولايات المتحدة، وألمانيا وفرنسا».
الشاهد أن حجم وشكل الحضور الدولى على مستوى الرؤساء فى قمة المناخ، يعكس ثقة تقوم على الاحترام والتقدير للجهد المخلص الذى بذلته الدولة المصرية، على مدار أكثر من عام، والذى تمثل فى الدفاع عن حق أفريقيا والدول المضارة، فى أن تحصل على حقها فى التنمية ومواجهة تغيرات مناخية ليست مسؤولة عنها.
وعلى مدار سنوات - ومنذ اتفاق باريس 2015 - بدا أن قضية المناخ تتراجع لصالح قضايا أخرى، وحتى العام الماضى وقمة جلاسكو خفتت قضية التغير المناخى، رغم الشواهد التى تؤكد خطورة التغير، وأعراضه التى تمثلت فى حرائق وفيضانات وجفاف وموجات برد وحر وسيول، ومن هنا، فقد استيقظت قضية المناخ فى جلاسكو، ثم انتقلت إلى مصر.
الحضور فى القمة 27 بشرم الشيخ، جاء لافتا تجاوز كل التوقعات، وشهدت القمة تعهدات من الدول الصناعية الكبرى، بل إن حضور الرئيس الأمريكى جو بايدن مثل خطوة مهمة ليس فقط فى قضية المناخ، فقد غاب بايدن عن القمة السابقة فى جلاسكو، بينما حرص على الحضور لشرم الشيخ معتذرا عن غيابه فى جلاسكو، وقدم تعهدات مهمة، وحضرت أيضا رئيسة مجلس النواب الأمريكى نانسى بيلوسى، وجون كيرى مبعوث المناخ الأمريكى، كل هذا الحضور يشير إلى انتباه أمريكى لقضية المناخ، واعتذار عن انسحاب الولايات المتحدة من «اتفاق باريس» والغياب عن الفعاليات السابقة، وبالطبع فإن الحضور هنا فى جزء منه يأتى ضمن تحسين صورة الولايات المتحدة والديمقراطيين فى سباق الانتخابات.
لقد ظهر من الزيارة والتصريحات الأمريكية، تحول واضح يدركه من يتابع، من حيث التقدير للمبادرات المصرية فى غزة، أو نداء الرئيس فى الجلسة الافتتاحية لقمة المناخ، لإيقاف الحرب فى أوكرانيا، وحتى فيما يتعلق بقضية المناخ، حيث تتابعت تصريحات الرئيس الأمريكى جو بايدن، ورئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى، مع مداخلات كبار المسؤولين فى بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، ودول أفريقيا وأمريكا اللاتينية، والحضور من رؤساء دول، ورؤساء حكومات.
كان الحضور، والتعهدات، وتجاوز محاولات ليست بريئة لصرف النظر عن القضية، عوامل كاشفة عن قدرات الدولة المصرية فى التعامل باحترافية ومرونة فوتت الفرصة على محاولات صغيرة، وأطاحت بتحليلات وتوقعات سطحية، وحملات ممنهجة من زوايا مظلمة هنا وهناك، انتصرت الدولة، وتجسدت فى القمة تفاصيل سياسية واستراتيجية مهمة تضاعف من حجم الثقة الإقليمية والدولية، فى الدولة المصرية، فى مرحلة صعبة على العالم كله، وقد تسفر الأيام المقبلة عن خطوات جديدة تلعب فيها المبادرات المصرية دورا استراتيجيا مهما.
النظر إلى الدور المصرى يتجاوز القمة الناجحة إلى تفاصيل تصب فى رصيد الدولة المصرية بفاعلية.