أعلن عدلى يكن باشا عن قيام حزب «الأحرار الدستوريين» فى حفل أقيم بفندق «شبرد» صباح يوم 30 أكتوبر 1922، وفى نفس اليوم صدرت جريدة «السياسة» ناطقة بلسان الحزب، وتولى رئاسة تحريرها الدكتور محمد حسين هيكل باشا، حسبما يذكر عبدالرحمن فهمى فى الجزء الخامس من مذكراته «يوميات مصر السياسية»، مضيفا فى 2 نوفمبر 1922 أصدر «الوفد المصرى» بيانا يتهم فيها الحزب الجديد بأنهم «هيئة منظمة لمعاونة الإنجليز»، و«أنهم وليد القوة الغاصبة وليس على غيرها يعتمدون» و«أنهم يعلمون أن الأمة متشككة فى نياتهم غير راضية عن أعمالهم وهم لا يطمعون إلا فى الإبقاء على مراكزهم ببقاء سلطة الحكم بين شيعتهم».
تلبدت السماء بالغيوم منذرة بخطر قادم على أثر الأقاويل المضادة للحزب الجديد والهجوم الضارى عليه من الوفد، حتى وقع حادث إجرامى وهو إطلاق الرصاص على اثنين من أبرز قياداته، ويذكر «هيكل باشا» فى الجزء الأول من مذكراته «مذكرات فى السياسة المصرية»: «دعى مجلس إدارة الحزب للاجتماع بدار الحزب برئاسة عدلى باشا فى الساعة السادسة مساء 17 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1922، من غير أن يبلغ الأعضاء جدول الأعمال الذى سيعرض عليهم».
يضيف هيكل باشا: «جلسنا نحن محررو السياسة إلى مكاتبنا نباشر عملنا وبين الساعة السابعة والساعة الثامنة، سمعنا فرقعة تخيلناها أول الأمر ناشئة عن عجلة أتوموبيل انفجرت، ثم سرعان ما عرفنا أنها طلقات رصاص صوبت إلى أول رجلين خرجا من الحزب، وكانا حسن باشا عبدالرازق وإسماعيل بك زهدى، هرولنا جميعا إلى ناحية باب الدار فقيل لنا: إن حسن باشا أصيب بعد أن كان جلس فى السيارة، على حين وجدنا إسماعيل بك زهدى معتمدا على ذراع صديق يصعد به درج الدار إلى غرفتى، وسألنا عن سيارة حشمت باشا فعلمنا أنه أمر سائقها أن يذهب به إلى مستشفى الدكتور على بك إبراهيم بشارع الصنافيرى، وبعد قليل نقل زهدى كذلك إلى مستشفى على بك إبراهيم، ورقد فى غرفة إلى جانب غرفة زميله الكريم حسن باشا عبدالرازق».
يؤكد هيكل باشا: «فر المجرمون ولم يقف لهم أحد على أثر، وفرغنا من عملنا، ومن الإجابات للمحققين، وذهبنا إلى المستشفى، وبعد يومين استشهد حسن عبدالرازق وشيعت جنازته، وفى صباح اليوم التالى استشهد زهدى وشيعت كذلك جنازته، وسرنا جميعا فى الجنازتين يتقدمنا عدلى باشا، وسار فى كل واحدة منهما عدد عظيم جدا من ذوى الرأى والمكانة فى البلاد، فكان ذلك شاهدا على استنكار المثقفين وغيرهم لهذا النوع الوضيع الجبان من الاعتداء».
تركت هذه الجريمة أثرا بالغا على طه حسين لعلاقته العميقة بآل عبدالرازق.. تذكر زوجته سوزان فى مذكراتها «معك»: «كنا نحب حسن باشا عبدالرازق كما لو كان أخانا الأكبر أيضا.. كان يعيش أغلب الأحيان فى عزبة أهله فى أبوجرج «محافظة المنيا»، التى كان فيما أظن مسؤولا عنها، وكان يجمع إلى الاستقامة المثلى إخلاصا كاملا، كان كثير التعلق بالتقاليد، فامرأته وبناته كن يعشن فى رصانة فرضتها تقاليد الماضى، ومع ذلك فعندما كنت فى «أبوجرج» مع طفلى، فإنه كان غالبا ما يطلب إلى أن آتى إليه فى التعريشة، حيث كان يجتمع بنظار المنطقة ومزارعيها، وكان ذلك يؤثر فى نفسى تأثيرا طيبا، كنت أتحدث إليه فى ثقة كاملة، وكانت هناك ناحية لم نكن نتفق حولها، فقد كنت أستمتع بتغريد العصافير فى الصباح، أما هو فكان يسخط أشد السخط، لأنه كان يرغمه على الاستيقاظ باكرا جدا».
تؤكد سوزان، أن زوجها طه كان حاضرا الاجتماع الذى حدثت الجريمة بعده، وتكشف: «جاء حسن باشا لزيارتنا فى مصر الجديدة قبل عشية يوم المأساة، وعندما استأذن للانصراف رافقته، وعلى العتبة تبادلنا القول: إلى اللقاء، ثلاث مرات، بشكل غريب، وعندما نظرت إليه يبتعد، شعرت بشىء من الاضطراب، وعندما عاد طه..كان ممتقعا، واكتفى بأن قال لى بصوت أجش: لقد قتلوا حسن باشا قبل قليل».
بعد هذه الجريمة بدأ «طه» موجة هجوم عنيفة ضد الوفد، يرصدها الدكتور مصطفى عبدالغنى فى كتابه «طه حسين والسياسة»، معتمدا على مقالاته فى السياسة أيام 21 و22 و23 نوفمبر 1922، قائلا: «وصف حزب الأغلبية بالقاتلين»، ويتهمهم فى سخرية قائلا: «أحقا هؤلاء الذين يغرون بالأبرياء، ويحرضون على الآمنين، ويتهمون الأخيار الأبرار بالإثم والخيانة، ويفرقون بين الأخ وأخيه.. أحقا إنهم من الناس؟.. أحقا إنهم مصريون؟، نريد أن نعتقد ذلك، ولكن اعتقاد ذلك عسير.
يضيف «عبدالغنى»: «لا يلبث أن يتحدث إلى قادة الوفد بضمير المخاطب: أما أنتم أيها المغرورون المغرضون فقفوا وافتحوا أعينكم وانظروا إلى آثار غرائبكم وتحريضكم، إنها الأكبر منكم، إنها لتسحقكم سحقا، إنكم أمامها الصغار ضعاف».