فى الوقت الذى تعانى فيه مصر من فقر شديد وشُح فى مصادر المياه ، وخاصة بعد اكتمال بناء سد النهضة فى أثيوبيا ، وحرمان مصر عاجلا أو آجلا من 85% من مصادر مياه النيل ، انتشرت فى القاهرة الكبرى "القاهرة – الجيزة – القليوبية" وكذلك فى الإسكندرية وعدد من المحافظات مايسمى بـ "المغسلات" العشوائية للسيارات .
مغسلة بدون تراخيص ولا سداد رسوم المياه
مغسلة السيارات والتكاتك والدراجات النارية والتريسكلات ، عبارة عن جزء وقطاع صغير من "محطة الوقود" أو "البنزينة" ، وهو الخاص فقط بغسيل السيارات وخاصة الملاكى والتاكسى وسيارات النقل الصغيرة والمتوسطة والتوك توك والموتوسيكلات.
فعلى أى مساحة أرض صغيرة خالية أو تحت عمارة أو "بدروم" لبرج من الأبراج الشاهقة ، يستطيع أى شخص يتصف بالجرأة ومخالفة القانون ، أو تكون له واسطة كبيرة فى الحى أو المحافظة ، أو مسنود بأى وضع من الأوضاع ، أن يشترى موتور رفع للمياه ، مع جهاز ضغط لزيادة سرعة رش المياه ، ثم يبدأ العمل ، بدون تراخيص ولا عداد مياه ولا إجراءات أمان ولا دفاع مدنى ولا طفيات حريق ، ولا حتى إعداد البنية التحتية للمكان ، حتى يتلائم مع كمية المياه الهائلة التى سيتم استهلاكها وهدرها يوميا فى رش ونظافة السيارات بأنواعها والتكاتك والموتوسيكلات.
رش السيارات والمواطنين أيضا
على بعد أمتار قليلة من محطة مترو أنفاق ساقية مكى ، بحى العمرانية الشرقية محافظة الجيزة ، وعلى رأس مساحة وقطعة أرض يتم اتخاذها جراجا للسيارات ، قام أحد الشباب بتشغيل مغسلة عشوائية لغسيل السيارات والتكاتك ، وخلال مرور المواطنين ذهابا وإيابا إلى محطة المترو ، تتطاير عليهم المياه المندفعة بقوة لتنظيف السيارات ، وهو ما يؤدى أيضا إلى تراكم المياه بامتداد شارع مستشفى الصدر ناحية المترو ، وياويل ويا سواد ليل من تتطاير عليه المياه ويحاول أن يشكو أو يتضجر أو يقول هذا إهدار للمياه.
ففى نطاق حى العمرانية الغربية وقرب نهاية شارع الثلاثينى توجد مغسلة عشوائية أيضا ، علاوة على أخرى بشارع كمال منصور ، وكل هذه المغسلات العشوائية تتسبب فى إهدار المياه بشدة ، كما تغرق الشوارع فى حالة انسداد فتحات تصريف المياه الخاصة بها ، كما يعانى السكان القريبين منها ليلا ونهارا من الضوضاء فى دخول وخروج السيارات وتطاير المياه ورائحة البنزين والغاز.
تتواصل الاستغاثات فى محافظة القاهرة ، من مشاكل المغاسل العشوائية ، ففى الحى السويسرى بمدينة نصر ، وبالتحديد بالعمارة رقم 61 والتى تقع بها مغسلة للسيارات ٬ وهو ما يؤدى إلى مشاكل لسكان العمارة والشارع نتيجة انبعاث رئحة المواد الكيماوية.
المستخدمة فى تنظيف السيارات و استنشاق السكان الهواء المحمل برائحة هذه المواد والملوثات.
سكان إحدى عمارات أبراج الروضة بمطروح ، ظلوا لفترة طويلة يستغيثون باللواء بدر طنطاوى الغندور محافظ مطروح السابق ، ثم ذهب الغندور ومازال السكان يستغيثون باللواء علاء أبو زيد محافظ مطروح الحالى من مغسلة سيارات عشوائية أقيمت بعد ثورة 25 يناير بالمخالفة للقانون ، و فيها يجتمع الشباب ليلا و يقومون بالتحرش بالأهالى و يتعاطون الحشيش و البانجو ويمارسون البلطجة على سكان المكان.
وفى محافظة الإسكندرية ، وخلال الشهورالماضية انتشارت مغاسل السيارات العشوائية بكافة الأحياء ، وهو ما يتسبب فى إهدار مياه الشرب ، وغرق الشوارع ، ويعتبر حى غرب من أكثر المناطق انتشارا للمغاسل ، ويسبب أزمة بالشوارع وغرقها بالمياه ، وانقطاع وضعف المياه عن المنازل القريبة منها.
من ناحيته قال محمد توفيق ، منسق المركز القومى لمكافحة الفساد ، إن مغاسل السيارات تهدر المياه الصالحة للشرب فى وقت تعانى فيه البلد من أزمة فى المياه ، بالإضافة إلى أنها تؤدى لغرق الشوارع ، وطالب "توفيق" بمنع هذه المغاسل أو إيجاد طريقة لتقليل إهدار المياه ووضعها تحت الرقابة.
غرامة 1000 جنيه لرش الشوارع وغسيل السيارات فى الطريق
كانت محافظة القاهرة وعدد من المحافظات الأخرى ، قد حظرت استعمال مياه الشرب فى غير أغراضها نهائيًا ، مثل رش الشوارع وغسيل السيارات فى الطريق ، وتحرير المحاضر اللازمة ضد المخالفين ، من ملاك الوحدات السكنية ، أو الشاغلين الفعليين ، وكذلك أصحاب المحلات ، مع تحصيل مبلغ ألف جنيه من المخالف الفعلى ، ويغلق المحل فى حالة ارتكاب المخالفة لمدة ثلاثة أشهر ، وفى حالة تكرار ومعاودة المخالفة مرة أخرى تقطع المرافق بصفة نهائية ، مع إحالة فورية للمتسبب إلى النيابة العامة واتخاذ الإجراءات القانونية ضده.
وتنص المادة رقم 25 من القانون على أنه لا يجوز استخدام مياه الشرب فى غير الأغراض المخصصة لها مثل رى الحدائق الخاصة أو العامة أو غسيل السيارات، وذلك على النحو الذى تحدده اللائحة التنفيذية ، وحدد القانون العقوبة الملائمة لذلك ، حيث نصت على أنه يعاقب بالحبس مـدة لا تزيـد على ستـة أشهـر وبغرامـة لا تقـل عن خمسـة آلاف جنيـه ولا تزيـد عن عشرين ألف جنيـه ، أو بإحدى هاتين العقوبتيـن كل من يخـالف ذلك ، وفى حالة التكرار تضاعف العقوبة فى حديها الأدنى والأقصى.
إهدار المياه
وعن حالة المياه فى مصر ، تؤكد التقارير والأبحاث والواقع ، أننا نعانى من نقص حاد على مستوى مياه الشرب والزراعة ، نتيجة لمحدودية مواردنا ، وهى قضية تغيب عن أذهان وعقول من يسرفون فى استخدام المياه بالرش فى الشوارع وإغراقها ، وغسيل السيارات والتكاتك والموتوسيكلات ، فحصة المواطن المصرى من المياه لا تتعدى 900م3/ سنة ، وإمكانية الحفاظ عليها مستحيلة ، فما بالك عندما نأمل فى زيادة هذه الكمية ، ولذلك فقد اتجه البحث منذ عشرات السنين عن مصادر المياه الأخرى (المياه الجوفية ، مياه الأمطار، مياه المصارف وتشمل الصرف الزراعى والصرف الصحى ) وذلك لمواجهة احتياجات السكان والزراعة.
7.9 مليون مركبة نهدر المياه فى غسلها
وحتى نتخيل حجم الهدر من المياه فى المغاسل العشوائية فقط ، علينا أن نرصد عدد السيارات فى مصر عموما ، وفى القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية على وجه الخصوص ، حيث كشف تقرير صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، أن عدد المركبات المرخصة حتى نهاية ديسمبر من عام 2014 بلغ 7.9 مليون مركبة ، منها 3.1 مليون مركبة بنسبة 39.7% بالمحافظات الحضرية ، و2.4 مليون مركبة بنسبة 30.5% بمحافظات الوجه البحرى ، و2.2 مليون مركبة بنسبة 27.5% بمحافظات الوجـه القبلى، و184.0 ألف مركبة بنسبة 2.3% بمحافظات الحدود ، وذلك من إجمالى المركبات.
وقال الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، فى بيان له إن محافظة القاهرة جاءت فى المرتبة الأولى بحوالى 2.2 مليون مركبة بنسبة 27.9%، تليها محافظـة الجيزة بعدد 921.5 ألف مركبة بنسبة 11.7%، ومحافظة الإسكندرية فى المرتبة الثالثة بعدد 702.1 ألف مركبة بنسبة 8.9% ، وإذا كانت كل سيارة تهدر حوالى 150 مترا مكعبا من المياه فى الغسلة الواحدة ، فلك أن تتخيل كميات هدر المياه فى المغاسل العشوائية فقط ، ناهيك عن المغاسل المقننة داخل محطات الوقود أو "البنزينات" .
وكان الدكتور محمد عبد العاطى وزير الرى ، قد أكد في كلمة له بمؤتمر "استخدام مياه الصرف الصحى والوقود" بجامعة الأزهر ، أن مصر تستهلك من 105 إلى 110 مليارات متر مكعب من الماء سنويًا ، وأن حصة مصر من مياه النيل تلبغ 55 مليارًا والمياه الجوفية والمطر توفر 6 مليارات مترا ، مؤكدا أن العجز بين الاستهلاك والمياه المتوافرة سوف يتم استكماله من مياه الصرف الصحى .
وأكد وزير الرى أنه لابد من الحلول غير التقليدية لمواجهة الفقر المائى الذى تعانى منه مصر، بالبحث العلمى والتعاون بين جميع الجهات ، و أنه لا بد من معالجة مياه الصرف الصحى لتوفير احتياجات الزراعة والشرب ، والتغلب على تلك المشكلة فى المستقبل.