أن تتبرع بجزء من جسدك لكى تنقذ حياة إنسان وأنت على قيد الحياة هى قمة الشجاعة والإنسانية، فماذا عن الأشخاص الذين يتبرعون بأعضاء جسمهم كله بعد الوفاة لإنقاذ أكثر من 7 أشخاص فى وقت واحد، فيرحلون عن الدنيا تاركين أثرهم وقطعة من جسدهم فى جسد إنسان آخر لا يعرفون حتى اسمه .
زراعة الأعضاء، عبارة عن نقل عضو من جسم إلى آخر، أو نقل جزء من جسد المريض إلى الجزء المصاب فى الجسد نفسه، بهدف استبدال العضو التالف أو الناقص فى جسد المتلقى، كان ذلك يتم من خلال التبرع من الأقارب أو الأصدقاء للمريض أو أى شخص آخر تتوافق معه شروط التبرع، ولكن حاليًا تهتم وزارة الصحة بملف زراعة الأعضاء، فى إطار اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى وتوجيهه بإنشاء أكبر مركز للتبرع وزراعة للأعضاء فى مصر، من المتوفى حديثًا، الذى يضم جميع أنواع الزراعات الموجودة، منها الكبد والكلى والرئة والقرنية والبنكرياس والقلب، ولأول مرة ستجتمع كل الزراعات فى مكان واحد، على أن يكون المركز كبيرًا بما يكفى لاستيعاب أكبر عدد من المترددين.
تفعيل القانون:
أكد الدكتور خالد عبدالغفار، وزير الصحة، خلال جلسة استطلاع ومواجهة، التى عقدتها لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب برئاسة النائب أشرف حاتم، منذ أيام، على أن الدولة تهتم بشكل كبير بملف زراعة الأعضاء البشرية، وضرورة تفعيل القانون المنظم لزراعة الأعضاء، قائلا: «تأخرنا كثيرًا فى هذا الملف رغم صدور القانون منذ سنوات»، كاشفًا أن مصر تتخذ إجراءات حاليًا لتسهيل تقديم طلبات الموافقة على التبرع بالأعضاء، منها مكتب تابع لوزارة الصحة يتم تجهيزه من خلال الميكنة والتحول الرقمى، بالإضافة إلى مقترح بإضافة خانة فى بطاقة الرقم القومى.
جاءت الجلسة لبحث ومناقشة موضوع تفعيل قانون زراعة الأعضاء البشرية والقرنية، فى ضوء دعم جهود الدولة المصرية فى هذا الشأن، بالإضافة لمناقشة موضوع طلب الإحاطة المقدم من النائب مكرم رضوان، بشأن تعديل قانون زرعة الأعضاء البشرية رقم 5 لسنة 2010، وطلب الإحاطة المقدم من النائب كريم بدر حلمى، بشأن عدم تفعيل قانون القرنيات فى المستشفيات الجامعية ومستشفيات وزارة الصحة، بحضور وزير الصحة والسكان، والدكتور حمدى السيد، نقيب الأطباء الأسبق، والدكتور على جمعة، رئيس لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بمجلس النواب.
أوصت اللجنة بقيام وزارة الصحة بتفعيل أحكام قانون زرع الأعضاء البشرية رقم 5 لسنة 2010، الذى تجيز المادة 8 من لائحته التنفيذية أن تكون الوصية بالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة بموجب ورقة رسمية، تعتمد من اللجنة العليا لزرع الأعضاء، يحصل بعدها الموصى على كارت توصية صادر من اللجنة على أن يكون ذلك من خلال إنشاء سجل خاص ينشأ بأمانة اللجنة لقيد من يرغب فى التبرع بأعضائه بعد الوفاة، وإصدار كارت للموصى عقب اعتماد اللجنة للوصية.
وفى تصريحات سابقة لـ«انفراد» قال الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان: إن النموذج الخاص بالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة يأتى متسقًا مع القانون رقم 5 لسنة 2010، مشيرًا إلى أن النموذج الذى تم إصداره سيكون آلية مهمة فى حصر الراغبين فى التبرع بالأعضاء، وأن كل متبرع سيستخرج له كارنيه يتضمن كل المعلومات الخاصة به بعد الوفاة، مضيفًا أن الكارنيه سيتم ربطه بقاعدة البيانات التى يتم تجهيزها حاليًا لربطها بالمركز الإقليمى للتبرع بالأعضاء، وأضاف أنه سيتم فى الفترة المقبلة وضع اللوجستيات الخاصة بالتعامل مع حالات زراعة الأعضاء، بالإضافة إلى آلية الحصول على الأعضاء من المتوفين حديثًا، مشيرًا إلى أن هناك تفكيرا فى البدء بعمل حملات توعوية لمعرفة المجتمع بملف زراعة الأعضاء وطريقة التعامل وآليات التبرع وشروطه، وتابع: «التبرع بالأعضاء يمثل قبلة الحياة لكثير من المرضى، الذين يعانون من فشل فى أعضائهم ويحتاجون إلى الزرع».
إنقاذ حياة 7 أو 8 أشخاص من متبرع واحد
من جانبه، قال الدكتور هشام عبدالدايم أستاذ الجراحة وعميد معهد الكبد القومى بجامعة المنوفية: إن اهتمام الرئيس السيسى بإنشاء مركز مصرى لزراعة الأعضاء من المتوفين حديثا، هو قرار عظيم وفى نفس الوقت صدقة جارية للمتوفى، وأضاف: «كنا نواجه مشكلة كبيرة فى زراعة الأعضاء، بسبب أن المتبرعين أحياء ومن أقارب المريض، وهنا نواجه صعوبة لكون الأعضاء محدودة، ولا بد أن يكون هناك توافق بين المريض والمتبرع، لكن المتبرع من حديثى الوفاة سيفتح المجال للتبرع بشكل أوسع، وذلك بعد موافقة المتوفى، وهو على قيد الحياة وموافقة أهل المتوفى أيضًا»، وتابع: «المتبرع الواحد ممكن أن ينقذ حياة 7 أو 8 أشخاص، فالكبد ممكن التبرع به لشخصين وكذلك الكلى، بجانب إمكانية التبرع بالأمعاء والبنكرياس، فالتبرع بالأعضاء يمنح للمريض الحياة من جديد»، كما أشاد بالمبادرات الرئاسية، التى تهتم بالصحة مثل مبادرة 100 مليون صحة ومبادرة قوائم الانتظار، ومبادرة الكشف المبكر عن سرطان الثدى.
4- شروط طبية للتبرع بالأعضاء من المتوفى حديثًا
1- أول خطوة هى التأكد من أن الشخص المتوفى تم تسجيله فى المركز، وموافق على التبرع بأعضائه بعد الوفاة.
2- أن تكون الفحوصات متطابقة بين المتبرع والمريض.
3- تجميد الأعضاء بعد الوفاة، ولكن كل عضو له وقت معين، فمثلا يتم تجميد الكبد 12 ساعة، بعد ذلك لا تجوز زراعته.
4- أن تكون الأعضاء سليمة بمعنى أن سبب الوفاة لن يؤثر على العضو.
6- شروط طبية للتبرع بالكبد من الأحياء
1 - ينصح الأطباء بتوفير متبرع من أقارب المريض أو أصدقائه.
2 - سن المتبرع يبدأ من 21 سنة حتى 45 سنة.
3 - أن يكون المتبرع لا يعانى من أى أمراض مزمنة ومنها «السكر، الضغط، القلب».
4 - لا يعانى المتبرع من أى عمليات سابقة فى البطن مثل استئصال طحال أو مرارة.
5 - تكون فصيلة الدم متوافقة.
6 - موافقة الأسرتين منعًا لأى مشاكل.
4- اشتراطات للتبرع بالأعضاء
- أن تكون جنسية الموصى والموصى إليه مصرية متى تم تحديده بالإقرار.
- أن تتضمن الوصية بالتبرع البيانات الكافية عن العضو أو النسيج الموصى به.
- أن تتضمن الوصية بالتبرع بيانات الموصى الشخصية ورقمه القومى.
- أن تكون الوصية بالتبرع بدون مقابل مادى أو عينى أو مقابل منفعة، سواء الموصى أو الموصى له أو ذويهما أو ورثتهما.
رحلة البحث عن متبرع.. حكاية رامز ورشا
لاقت فكرة إنشاء مركز لزراعة الأعضاء إعجابا وقبول الكثيرين، وخصوصا لمن خاضوا تجربة زرع الأعضاء من قبل، وواجهوا مشاكل عديدة لعدم توفير المتبرع بسهولة، فهناك قصص وحكايات وأسرار عاشها أهالى المرضى فى رحلة البحث عن متبرع.
رامز ورشا، قصة حب اشتهرت بشكل كبير على السوشيال ميديا، بعدما تبرع الزوج بـ 60% من الكبد لزوجته رشا، فبعد 7 سنوات من الزواج، أصيبت الزوجة بفشل حاد فى الكبد وقال الأطباء: إن الحل الوحيد لعلاج حالتها هو زراعة الكبد، وبدأت الأسرة فى البحث عن متبرع مناسب، وكانت الحالة خطيرة وتحتاج للزرع فورا، وبعد الفحوصات كان الشخص الوحيد المناسب للتبرع هو رامز زوجها، ولكن كان أمامهم مشكلة، وهى وزنه الكبير الذى كان يتخطى الـ 113 كيلو، فلم يتردد زوجها لحظة واحدة، وقرر أن يتبرع على الرغم من رفض الأطباء إجراء العملية بسبب زيادة وزنه، ولكن حبه لها وإصراره جعله مصمم على إجراء العملية وإنقاص وزنه فى أسرع وقت.
قالت رشا محمود لـ«انفراد» سعيدة جدًا باهتمام الرئيس لإنشاء مركز لزراعة الأعضاء فى مصر من المتوفى، لأن ذلك سيسرع فى إنقاذ العديد من الحالات التى تحتاج للزرع، وخصوصًا أنه من المتوفى حديثا، فليس هناك خطورة على حياته أو قلق مثلما يحدث مع المتبرع الحى، وتابعت: «أنا فى يوم من الأيام كنت واحدة من المرضى اللى احتاجوا لزراعة كبد فورًا، بعد إصابتى بفشل حاد فى الكبد، ولولا زوجى كانت حياتى انتهت، كانت صحتى تعبانة جدًا قبل زراعة الكبد وكل الدكاترة أجمعوا إن علاجى هو الزرع، فى الأول مكنتش لاقية متبرع وكان صعب إنى ألاقى حد متطابق معايا فى كل حاجة، لأن زراعة الكبد ليها شروط».
وأضافت: «كان رامز زوجى متطابقا، من حيث التحاليل والأنسجة ولكن كانت المشكلة أن وزنه كبير جدا، وهو قرر إنه يقلل وزنه ويتبرعلى، وفى خلال شهرين وزنه نزل 30 كيلو، وعالج دهون الكبد واتبرعلى بـ 60% من الكبد بتاعه، أنا الحمد لله دلوقتى بعد زراعة الكبد حياتى اتغيرت 180 درجة وبقيت أحسن، وفعلا هى خطوة مهمة إنشاء مركز للتبرع بالأعضاء وده هينقذ حياة ناس كتير على قوائم الانتظار».
المركز حماية من النصب مقابل التبرع
محمد وأحمد شقيقان وشريكان فى الجسد، حيث عانى أحمد العيسوى من مشاكل عديدة فى الكبد إلى أن وصل به الحال بالتليف، وطلب الأطباء منه إجراء عملية لزراعة الكبد على الفور، وهنا بدأت الأسرة فى البحث عن متبرع ولكن واجهتهم مشاكل عديدة.
قال محمد العيسوى: «أحمد أخويا كان تعبان جدا وعنده تليف فى الكبد، والدكاترة قالوا لازم يزرع كبد فورا، عملت التحاليل وكانت غير متوافقة، ومن بعدها اتضح أن عمتى نتائج فحوصاتها متوافقة مع أحمد أخويا، ولكنها كانت تعانى من مشاكل فى الشعب الهوائية والأطباء استبعدوها من التبرع، من هنا بدأنا نبحث عن متبرع خارج الأسرة، وكتبنا على الفيس بوك عاوزين متبرع، ولكن ناس كتير كانت عاوزة تنصب علينا وطلبت مبالغ كتير مقابل التبرع».
وأضاف: «كان عندى أمل فى ربنا إن الموضوع هيتحل، وبالصدفة عملت التحاليل تانى والحمد لله طلعنا متوافقين، واكتشفنا إن التحاليل الأولى اللى كنت عاملها كانت غلط، واتبرعت لأخويا»، وعن فكرة إنشاء مركز للتبرع بالأعضاء قال العيسوى: «من أهم الخطوات اللى هتتعمل فعلًا هى مركز التبرع وزراعة الأعضاء من المتوفى حديثًا، محدش عارف كمية المعاناة اللى بيعانيها المريض اللى محتاج للزراعة ولا أهله والتوتر اللى بيعيشوا فيه».
باب أمل جديد
إنشاء مركز لزراعة ونقل الأعضاء من المتوفى حديثًا فى مصر، هو باب أمل جديد للمرضى وصدقة جارية للمتبرع، وهو ما قاله الأطباء المتخصصون فى زراعة الأعضاء عن إنشاء المركز، ووجود آليات وضوابط منظمة لزراعة الأعضاء، كما حدد القانون إمكانية التبرع من خلال أوراق رسمية، وبتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بإنشاء قاعدة بيانات ومجمع متكامل لزراعة الأعضاء، ويقول الدكتور محمود طلعت، استشارى جراحة وزراعة الكبد بمعهد الكبد القومى للقاهرة: إن إنشاء مركز للتبرع وزراعة الأعضاء من المتوفى حديثًا فى مصر فكرة ممتازة، ولكنها تحتاج لتنظيم وعمل مركز موحد به كل المعلومات عن المرضى.
وتابع:«التبرع بالأعضاء عمومًا يتم عن طريق المتبرع الحى والمتبرع المتوفى حديثًا، وبالطبع بعد موافقته قبل الوفاة، ولا بد من وجود توعية إعلامية ودينية، وذلك لكى تؤهل المواطنين للتبرع دون وجود أى مشاكل أو خوف، وفى حالة المتبرع الحى تكون الأعضاء محدودة، ومنها التبرع بفص من الكبد أو التبرع بأحد الكليتين أو التبرع بنخاع العظم، ولكن المتوفى حديثًا ممكن التبرع بأشياء عديدة، منها الرئة والكبد والكلى والبنكرياس والجلد والقرنية، ولكن يتم ذلك تحت إجراءات وشروط محددة.