كانت الساعة الثامنة صباح 26 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1971 حين غادرت طائرة كويتية خاصة استأجرتها حكومة أبوظبى، وعليها سيدة الغناء العربى أم كلثوم وفرقتها الموسيقية والوفد الإعلامى من الصحف والإذاعة والتليفزيون فى مصر، لإحياء حفلتين يومى 28 و30 نوفمبر 1971، احتفالا بعيد جلوس الشيخ زايد بن سلطان حاكم أبوظبى، ويحضرهما حكام دول وإمارات الخليج العربى، حسبما تذكر «الأهرام» فى عددها 26 نوفمبر 1971، وتضيف أن أم كلثوم ستغنى فى المسرح الجديد المكيف الهواء«4 آلاف مقعد» بالنادى الأهلى فى أبوظبى، وأن الشيخ أحمد بن حامد وزير الإعلام والسياحة سيستقبلها فى المطار، وستحضر سباقًا للجمال وعروضًا لفرقة الفن الشعبى بدعوة من الشيخ زايد.
بدأت أولى التحركات لهذه الخطوة أثناء زيارة الشيخ زايد إلى مصر فى بداية نوفمبر 1971، وكان وقتئذ حاكما لأبوظبى منذ خمس سنوات، ويستعد للإعلان عن دولة الإمارات العربية المتحدة، وأثناء الزيارة ذهب مانع سعيد العتيبة وزير البترول والشاعر الإماراتى لزيارة أم كلثوم بفيلتها فى الزمالك ليدعوها للمساهمة فى احتفالات عيد الجلوس الخامس للشيخ زايد، والمشاركة فى الإعلان عن دولة الإمارات «2 ديسمبر 1971»، حسبما يؤكد الكاتب والمثقف الإماراتى البارز محمد المر فى حوارى معه، والمنشور فى «انفراد - 7 مايو 2018».
أرسل إليها الشيخ زايد بعد عودته إلى أبوظبى دعوة رسمية، وفقًا للكتاب الوثائقى «أم كلثوم فى أبوظبى»، الصادر فى أبوظبى عام 2018، وكان نصها: «إلى سيدة الغناء العربى أم كلثوم.. حضرة السيدة الفاضلة كوكب الشرق أم كلثوم المحترمة.. بعد التحية.. إنه لمن دواعى سرورنا دعوة سيدة الغناء العربى الأولى لزيارة أبوظبى للاطلاع على معالمها عن كثب، ومشاهدة ما حققته من إنجازات خلال فترة وجيزة، كما أنه سيكون مبعث فرح وسرور لنا أن نمتع الأذن بسماع الصوت الشجى والنغم الجميل، آملين أن يتاح لكم الوقت للقيام بهذه الزيارة، وذلك بمناسبة العيد الوطنى لبلادنا، متمنيين لكم موفور الصحة سائلين الله أن يوفقكم ويرعاكم، والسلام عليكم ورحمة الله..زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبى».
رحبت أم كلثوم، وفى 26 نوفمبر 1971، وصلت إلى مطار أبوظبى، وكان فى استقبالها العديد من الشخصيات الإماراتية المهمة وعلى رأسهم مانع سعيد العتيبة، وسعيد الدرمكى مدير دائرة التشريفات فى أبو ظبى، ونائبه على الشرفا، كما فتحت لها قاعة كبار الزوار، وبعد وصولها وجهت رسالة شكر نشرتها جريدة الاتحاد، قالت فيها: «يسعدنى أن أوجه هذه التحية على صفحات الاتحاد إلى عظمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبى، وشعبه الكريم وأشكركم على الحفاوة التى قوبلت بها منذ اللحظة الأولى، التى وصلت فيها إلى هذه الأرض العربية الغالية، ويزيد من سعادتى أننى جئت فى مناسبة عيد جلوس صاحب العظمة الشيخ زايد، والاستعداد للإعلان عن قيام دولة اتحاد الإمارات العربية التى ستضيف إلى الأمة العربية رصيدا جديدا من القوة والدعم».
مضت التجهيزات الفنية للحفلين بهمة وكفاءة، يكشف محمد المر عنها فى مقاله بكتاب «أم كلثوم فى أبوظبى»، قائلًا: «كانت المسارح الموجودة فى أبوظبى آنذاك هى مسارح دور سينما، وأكبر قاعة سينما لا تتسع لأكثر من مئات، وعشاق أم كلثوم بالآلاف، لذلك صدرت الأوامر من الشيخ زايد لكى تقوم وزارة الدفاع بالتنسيق مع بقية الوزارات والدوائر لبناء مسرح مؤقت على أرض النادى الأهلى الذى أصبح فيما بعد نادى الوحدة، وأنجز فى ثلاثة أسابيع، واستوعب نحو 4 آلاف كرسى».. وقدمت القوات المسلحة فى أبوظبى محولا كهربائيا ضخما سعته 750 كيلو وات، لكى يعمل على الفور فى حالة انقطاع التيار الكهربائى عن المسرح».
وهكذا اكتملت كل الاستعدادات، وكان الحفل الأول فى 28 نوفمبر 1971، وغنت فيه بعد وصول الشيخ زايد قصيدة «أغدا ألقاك» كلمات الشاعر السودانى «الهادى آدم» وألحان محمد عبدالوهاب، وفى الوصلة الثانية قدمت «الحب كله» كلمات الشاعر أحمد شفيق كامل، وألحان بليغ حمدى، وبعد الحفل أهداها الشيخ زايد عقدا من اللؤلؤ تزينت به فى حفلها الثانى يوم 30 نوفمبر، وغنت فيه «ودارت الأيام» كلمات مأمون الشناوى، وألحان محمد عبدالوهاب، و«القلب يعشق كل جميل» كلمات، بيرم التونسى، وألحان رياض السنباطى.
فى ختام الزيارة شهدت مراسم رفع العلم الاتحادى، وكانت هى بفنها مصدر إلهام لشاعرى الإمارات، سلطان العويس الذى كتب قصيدة عنها قال فيها: «سواء علينا ليلنا أو نهارنا.. فأنت لنا الإبصار والسمع والفكر».. وكتب مانع سعيد العتيبة: «صوت تغلغل فى صميم كيانى/صب الهوى فى أحرفى وبيانى/ وكأنه يلامس مسمعى سحر جلى لانسياب أغانى/ يا أم كلثوم يرحب خافقى/ وينوب عن خفق الفؤاد لسانى/ يا كوكب الشرق الذى فى ضوئه/ سهرت قلوب تشتكى وتعانى».