منذ أيام خرجت علينا إحدى مشاهير السوشيال ميديا، وأعلنت حجابها بصورة نشرتها عبر منصات التواصل الاجتماعى، وطلبت متابعيها بالدعاء لها، ثم أيام قليلة وخرجت تعلن حجم تأذيها نفسيا من التعليقات السلبية التى تلقتها بعد إعلانها الحجاب، لأن البعض يرى أن ما ترتديه ليس حجابا، وإنما غطاء رأس، وطلبت من المتابعين الرفق بها، ثم ساعات وأعربت عن مدى امتنانها لما تلقته من رسائل دعم، ثم أيام وخرجت لنا تعلن بصورة أنها خلعت الحجاب، وأنها نفسيا كانت أضعف من هذه الخطوة التى زادتها ضعفا واضطرابا على ما كانت تمر به من قبل ارتدائها للحجاب، وكتبت لمتابعيها - الذين تعتبرهم دوما وفقا لما تدونه لهم عبر صفحاتها «عائلتها الثانية» - أنها تأذت كثيرا من تعليقات البعض بعدما أعلنت ارتداءها الحجاب، وأنها تعلمت من هذه التجربة أنها لن تتجاهل أية تعليقات سلبية بعد اليوم، وهددت بالملاحقة القانونية ضد كل من يكتب لها تعليقا ينتهك خصوصيتها أو يتحدث فيما لا يعينه.
أتابع عشرات المشاهير على السوشيال ميديا، وأعلم تلك الحالة، وأتعجب كثيرا من قدرتهم على تحمل هذا القدر من التعليقات السلبية وحتى الإيجابية، كيف يتحمل بشر أن تكون كل خطوة فى حياته تحت المجهر وأمام الجميع؟! كيف يسمح إنسان عاقل أن يعلن كل تفاصيل حياته على الملأ؟! أن يرى ملايين المتابعين على السوشيال ميديا بيته من الداخل؟! مطبخه وغرفة نومه وسيارته؟! أن يعرفوا ماذا يأكل؟ وماذا يشرب؟ وأين يسافر؟ أن يعرفوا أبناءه وهواياتهم ومدارسهم؟ كيف لنا أن نفضح مشاعرنا أمام الجميع هكذا؟ ونعلن أمام - ملايين ممن لا نعرفهم - مخاوفنا وما نمر به من قلق أو فرح أو إخفاق أو نجاح، ثم نتوقع من هؤلاء ألا يتدخلوا فى تفاصيل حياتنا الشخصية؟! هل يعقل؟! وهل يعقل أن يبتهج هؤلاء ويهللون لأنفسهم حال تلقيهم الدعم والرسائل الإيجابية ثم يهددون باللجوء للقضاء عند تلقيهم الرسائل السلبية، هل يظن هؤلاء أنفسهم أنبياء سيجتمع الناس على محبتهم ودعمهم؟! حتى الأنبياء اختلف عليهم البشر، فكيف أوهمتهم أنفسكم بغير ذلك؟!
أن تكون مستباحا شعور صعب، قاسية تلك التدخلات فى كل تفاصيل الحياة الشخصية، خاصة أننا شعب لا يعجبه العجب، وكل منا له رأيه الذى يرى أن ما دونه كفر، ضغط كبير أن تكون حياتك تحت المجهر ويتدخل فيها القاصى والدانى، لكن للأسف هذا هو اختياركم أنتم، أنتم من حولتم من حياتكم الشخصية وتفاصيل يومكم مادة للنشر على السوشيال ميديا، لتصبحوا نجوما ومشاهير وتربحون الأموال، وظنكم أن حصولكم على هذه المكاسب مجانا هو إما سذاجة أو خداع للنفس، إذا كانت بيوتكم مفتوحة على السوشيال ميديا ولا حرمة فيها فلا تنزعجوا من استباحة حرماتكم، فأنتم من فتحتم باب البيت على الشارع.
بعد كل هذه التفاصيل التى يشاركها هؤلاء بإرادتهم لا يجوز الحديث عن الحياة الشخصية واحترام الأمور الشخصية، ولا يجوز تهديد جمهور السوشيال ميديا باللجوء للقضاء فى حال علق أحدهم تعليقا أزعج صاحب المحتوى، الفيديو أو الصورة أو القرار الذى ستشاركه عبر السوشيال ميديا سينال إعجاب البعض، وحقد البعض، وسيراه آخرون تافها، وسيراه آخرون سيئا، وطالما قررتم نشره عليكم تقبل كل الآراء حتى تلك القاسية، طالما قررتم مشاركته، أنتم من فتحتم أبواب بيوتكم، وأنتم من جعلتم من تفاصيل حياتكم الشخصية وقرارتكم وبيوتكم وأزواجكم وأبنائكم مادة للمشاركة على السوشيال ميديا، لذا لا تتحدثوا عن الحياة الشخصية، ولا عن انتهاك الخصوصية، وإن أردتم فعلا «خصوصية»، فأغلقوا أبواب بيوتكم أمام السوشيال ميديا، أما ما تشاركونه أنتم بإرادتكم الخاصة يفقد خصوصيته ويصير مستباحا.