كانت الساعة الحادية عشرة قبل ظهر 27 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1969، حين تحركت من ميدان التحرير جنازة لثلاثة شهداء من أبطال قواتنا المسلحة هم، النقيب سعيد أحمد إبراهيم ابن مدينة الإسكندرية، والملازم ثان إبراهيم محمد حسان «24 سنة» من مواليد شبرا، والجندى مدنى محمد أحمد، حسبما تذكر الأهرام فى عددها 28 نوفمبر 1969.
كان الشهداء الثلاثة ضمن أبطال عملية العبور النهارية التى تمت بنجاح يوم 22 نوفمبر 1969، وكانت هى العملية الرابعة لعبور القناة خلال أسبوعين، وذلك أثناء عمليات حرب الاستنزاف التى يخوضها الجيش المصرى ضد القوات الإسرائيلية فى سيناء بعد هزيمة 5 يونيو 1967.
وعن تفاصيل هذه العملية تذكر «الأهرام» فى عددها، 23 نوفمبر 1969، أن قوة تتكون من 60 فردا من القوات الخاصة بالجيش المصرى عبرت قناة السويس صباحا، وتوغلت فى خطوط العدو بعمق خمسة كيلومترات، ثم اشتبكت مع طابور دبابات للعدو، ودمرت منه ثلاث دبابات، وأعطبت اثنتين، وفى هذه الأثناء جرى اشتباك عنيف آخر بالمدفعية لمنع أسلحة العدو من التدخل ولتمكين قواتنا من تنفيذ مهامها بنجاح، كما أسفرت المعركة عن قتل عدد من أفراد العدو حاولوا الهروب عندما فاجأتهم القوة المصرية، وأصيب فى الاشتباك أحد أفراد القوة المصرية، فقرر اثنان من زملائه البقاء معه على أن يعودوا به بعد انتهاء المعركة.
تضيف «الأهرام» نقلا عن بيان القوات المسلحة المصرية، أن الاثنين وهما بجانب زميلهما الجريح فى منطقة المعركة عند منطقة البلاح بالقطاع الشمالى، دخلا فى قتال عنيد وبطولى مع قوات كبيرة للعدو تفوقهما فى العدد وقوة التسليح إلى أن نفذت آخر طلقة معهما، واستشهد الثلاثة بينما كان باقى الرجال يعبرون القناة عائدين إلى الضفة الغربية بعد أن أدوا مهمتهم بنجاح.
تذكر الأهرام، أن الجثامين الثلاثة تسلمتها مصر يوم 27 نوفمبر 1969 بمدينة القنطرة، عبر الصليب الأحمر الدولى وطبقا للتقاليد العسكرية، وفى يوم 28 نوفمبر تم تشييعهم من مسجد عمر مكرم فى مظاهرة وطنية رائعة على وقع هتافات: «بالروح بالدم نفديك يا مصر»، كما رددت الجماهير المشاركة النشيد الوطنى «والله زمان يا سلاحى» ونشيد «بلادى بلادى».. تضيف الأهرام، أن الجنازة لم تكد تتحرك من ميدان التحرير حتى تحولت على امتداد مسيرتها إلى مظاهرة وطنية مهيبة تهتز بالغضب ضد إسرائيل وأمريكا، وتعالت هتافات الآلاف من شباب الجامعات والمدارس الثانوية الذين خرجوا يودعون الشهداء الثلاثة.
تضيف الأهرام، أن الجنازة تقدمها مجموعة من القوات الخاصة ومنظمة سيناء ثم مجموعة من الضباط من مختلف الرتب من الشرطة والجيش، ثم فرقة الموسيقى العسكرية تعزف المارشات العسكرية الجنائزية، ثم عشرات من باقات الزهور تتقدمها باقة كبيرة باسم الرئيس جمال عبدالناصر، وتقدم الجنازة الفريق سعد الدين متولى مندوبا عن الرئيس، وعبدالمحسن أبوالنور عضو اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى، والفريق أول محمد فوزى وزير الحربية، وشعراوى جمعة وزير الداخلية، وحافظ بدوى وزير الشؤون الاجتماعية، والمهندس إبراهيم زكى قناوى وزير الرى، والدكتور عبده سلام وزير الصحة، والدكتور حسن مصطفى وزير الإسكان، واللواء محمد أحمد صادق رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وكبار قادة القوات المسلحة.
تذكر الأهرام، أن الشهيد النقيب سعيد أحمد إبراهيم سيدفن فى الإسكندرية وأنه كان متزوجا من شهرين فقط، وكان يقيم مع عروسه فى الهرم، واستدعى فى اليوم الثالث بعد زواجه للاشتراك فى إحدى العمليات، ورقى إلى رتبة نقيب منذ شهر واحد، وخدم عقب تخرجه فى الكلية الحربية «تخصص صاعقة» فى اليمن لثلاث سنوات، وروت والدته أنه سبق أن اشترك فى عبور القناة مرات قبل العبور الأخير، وأصيب فى إحدى تلك المرات برصاصة فى ساقه، لكنه تمكن من العودة وعولج، ورفض أن يكمل إجازة مرضية متعجلا العودة لوحدته، وتكشف والدته أن آخر كلماته لها كانت: «أنا دخلت الجيش علشان أحارب، أقتل وأموت».
أما الشهيد ملازم ثان إبراهيم محمد حسان، فتذكر الأهرام عنه، أن عمره 24 سنة ومن مواليد شبرا سنة 1945، وهو أول شاب من أسرته ينتظم فى سلك الجندية، لأنه من أسرة بدوية، وكان أبناء البدو يعفون من التجنيد حتى سنة 1943، وحصل على بطولة الملاكمة من الدرجة الأولى مع ميدالية ذهبية فى منطقة الجيزة سنة 1964، وأهلته هذه البطولة للالتحاق بقوات الصاعقة، وللياقته البدنية الممتازة تم ترشيحه فور التحاقه بالكلية الحربية لسلاح الطيران، لكنه فضل الكلية الحربية ليتخصص فى الصاعقة، واشترك فى أكثر عمليات عبور قناة السويس، وحقق فى معظمها بطولات عظيمة، آخرها صباح 22 نوفمبر 1969.