تحل اليوم ذكرى رحيل الفنانة شادية، معبودة الجماهير صاحبة الصوت الذهبي وصوت مصر الذى لا يُنسى، لقبها محبوها بالعديد من الألقاب منها "الدلوعة"، حيث اشتهرت "شادية" برقتها وأثونتها، فمثلما كان صوتها الشجي الرخيم أيقونة في عالم الغناء، كان جمالها أيقونة ومصدر إلهام للكثيرات اللائي طالما حاولن تقليد إطلالاتها ومكياجها وقصات شعرها، حتى أن بعض تصفيفات الشعر وقصاته ارتبطت باسمها مثل "قُصة شادية" الشهيرة، وهذا ما دفعنا إلى البحث عن الجندي المجهول وراء هذا "الاستايل" المميز للفنانة شادية والذي لم يشهد فقط على كواليس اختيار وتحضير تصفيفاتها المميزة لكنه أيضًا كان شاهدًا على كواليس حفلاتها وقريبًا من صورة شادية الإنسانة التي لا يعرفها الكثيرون.
التقى "انفراد" مع الكوافير محمود رأفت مصفف شعر الفنانة الراحلة الذي بحكم عمله لسنوات طويلة معها، عرف الكثير عن أسرار جمالها وأنوثتها وكذلك رأى الكثير من وجهها الإنساني بعيدًا عن الفن.
"نصيحتي ليكِ اوعى تغيري الكوافير بتاعك".. بجملة بسيطة ووجه مبتسم تذكر "رأفت" جملته الشهيرة التي اعتاد قولها للفنانة الشادية، فكانت تتلقاها بضحكة جذابة وكلمة شكر رقيقة، يقول الكوافير عن الدلوعة: في عام 1970 جذبتني صورتها ضمن مجموعة من الفنانات اللاتي كان يصفف لهن شعرهن بأبدع التسريحات في ذلك الوقت، مصفف الشعر الشهير سعيد حماد، فقررت أن أكون واحدًا من أهم مساعديه نظرًا لكفاءته في هذه المهنة، وتمنيت أصفف شعر هؤلاء الفنانات خاصة الدلوعة شادية، وتحققت أمنيتي وأصبحت مصفف شعرها وصديقها طوال تلك المدة من السبعينيات القرن الماضي وحتى اعتزالها، فبحكم قرب المسافة بين بيتها والكوافير اعتادت الفنانة شادية المجيء كل أسبوعين تقريبًا، فكانت بيتها أمام حديقة الحيوان في الجيزة والمحل في شارع النيل بحي العجوزة.
وتابع "رأفت" حديثه قائلًا لـ"انفراد": كانت تأتى في حدود الساعة الثانية ظهرًا، تشرب فنجان قهوتها المظبوطة، أثناء تصفيف شعرها، ومن المواقف التي لا تنسي، كانت الفنانة أنغام صغيرة وكانت تيجي من مصر الجديدة مع باباها الملحن محمد على سليمان، في كل مرة تيجي فيها شادية تعمل شعرها، وماكنش حد عارف هي بتعرف معادها منين، بس كانت هي بتحب الفنانة شادية جدًا والفنانة شادية بتحبها، وكانت تقعد تدندن لها وماكنش بتسيبها غير لما تخلص شعرها".
اعتدنا جميعًا سماع صوت الفنانة شادية في أعياد نصر أكتوبر تشدو بأحلى الأغنيات التي تهز قلوبنا جميعًا، لذلك سميت بصوت مصر من شدة حبها لوطنها، ومثلما كانت تهتم بتحضير أغنيات مميزة تعبر عن عظمة مصر وشعبها، كانت تهتم بأدق التفاصيل حتى تصفيفة شعرها التي تتناسب مع ما تؤديه من أغنيات، ويقول محمود رأفت عن كواليس حفلات أكتوبر: كنت أذهب معها أثناء حفلات النصر التي كانت تقام في محافظات القناة، بسيارتها بصحبة سائقها الخاص "عزام" لتحيي الحفلة ونعود في نفس اليوم وفي وقت متأخر" على الساعة 3 أو 4 الفجر، كانت تصمم إنها توصلني للبيت كنت ساكن في شبرا، ولما أقولها بلاش الأفضل نوصلك أنت الأول، كانت تقول لي أنا بحب شبرا وليا ذكريات فيها، ولما كنا نمشي تقولي في الشارع ده كان في واحد بيعاكسني والشارع ده كان في واحد بيعاكسنى"، فهى عاشت وقت ما في حى شبرا وهى صغيرة، وأتذكر أثناء حفلة أغنية "مصر اليوم في عيد" كنت حاطط لها وردة بيضة في شعرها.
أما عن الحفلات التي كانت تقام على مسارح القاهرة، فكنت أذهب بيتها قبل الحفل بحوالي 4 أو 5 ساعات والاستعداد للحفلة، وأتذكر أول مرة أذهب فيها إليها فوجئت بها بعد الانتهاء من عملي قالت لي "لسه بدرى على ما ننزل تعرف تلعب كوتشينة، قولتها طبعًا هغلبك، قالتلي لا مش هتقدر، وبالفعل فإنها محترفة لعب الكوتشينة، كانت دمها خفيف وضحكتها جميلة".
ويكمل "محمود": اعتدت رؤية الفنانة الراحلة تحية كاريوكا عندها في كل حفلة وكانت تضع يدها على كتفها وترقيتها بالقرآن الكريم، قبل أن نذهب لمسرح الحفل فى كل مرة، "كانت بتحبها جدًا وتعتبرها زى أختها الصغيرة".
وعن الفساتين التي كانت ترتديها الفنانة الراحلة فقال: كانت تختار موديلات الفساتين التي تناسبها فهى إنسانة رقيقة جدًا وتعرف ما يبرز جمالها والألوان المناسبة لها، فكانت تحب اللون الأحمر جدًا وبالمناسبة كانت أهلاوية متعصبة.
عن بيتها قال: كانت تسكن في عمارة شيك جدًا في شارع مراد مدخلها واسع وله اتجاهان يمين ويسار كانت تسكن في الجانب اليسار في الدور الثامن، تسكن في بيت بسيط جدًا ولكنه راقٍ جدًا في كل شيء يغلب عليه الطابع الكلاسيك، يميل للون البيج وزيتى.
استطرد "محمود" ذكرياته عن الفنانة شادية فقال: "في مرة كنت قاعد معاها بعد ما خلصنا وفى انتظار السواق ليوصلنا للحفلة، فبقولها مش هنمثل سوا بقي، فضحكت وسكتت وبعدها بفترة فوجئت بها تقول لي المخرج أشرف فهمى عاوز يشوفك، عشان هنمثل سوا، وفعلًا: مثلت مشهد في فيلم "لا تسألني من أنا" كنت الأخ الكبير للفنان فاروق الفيشاوى، وكان فيلم من أجمل الأفلام التي قامت بها وفجرت بداخلها الأمومة التي كانت تفتقدها، أبكانا جميعًا وخاصة أثناء بيع بنتها.
أما عن مسرحية ريا وسكينة، حدثنى المخرج حسن كمال وقال لي: "يا محمود مش معقول تكون ريا بشعر أصفر بلوند، عاوزين نغير لون شعر شادية، وبالفعل غيرناه لدرجة من درجات اللون الأحمر، واكتفينا بإظهار القصة فقط وقمنا بتركيب باروكة للشعر تشبه شعرها الأصلى.
ويوم خطوبتى له ذكرى خاصة لى، فاهدتنى "شوشو" كما كنت أناديها الصف الأول كاملًا من المسرح لخطيبتى والأهل احتفالًا بالخطوبة، وأثناء أغنية شائعات كانت تتجه إلى على المسرح وتقول "شائعات يا محمود شائعات"، شادية إنسانة لا يمكن أن تنسي.
الدلوعة شادية اسم على مسمى، فهي حقًا كذلك "دلوعة ورقيقة كالأطفال، فكانت تحبهم وتلعب معهم وتغنى لهم، أولاد أخواتها كانوا ملازمين طول حياتها"، إنسانة خيرة وتعطى البسطاء وهذا ما عرفناه جميعًا بعد وفاتها، ومتواضعة جدًا، رغم شهرتها وبسيطة لا تلتفت للمغريات الفن والشهرة، منذ أن عرفتها وحتى يوم اعتزالها وهى لا تملك سوى سيارة كادلاك 8 سيلندر لونها زيتى.
شادية كانت من أعظم فنانات زمنها إلا أنها كانت أكثرهم تواضعًا ولا تحرج أحد وتضحك في وجه الجميع، لنا موقف في أحد حفلاتها في أحد الفنادق بعد انتهاء الحفلة كان هناك ازدحام شديد من المعجبين، "وعشان نخرج من الموقف ده بسلام غيرت هدومها وطلعنا نجرى من في حديقة الفندق وفى مصور صحفي شافنا ولقط صورة نزلها في إحدى المجلات.
علاقة شادية بطاهر شاكر كانت لا توصف، كان أخوها وأبوها ومدير أعمالها وكان متحمل كل شيء عن حياتها، أما علاقتها بوالدتها فكانت تحبها وتهتم بها جدًا، ورغم أنى ذهب إليها كثيرًا إلا أنى لم أرها أبدًا.
أما عن جمال شادية وأنوثتها فقال "رأفت": كانت إنسانة جميلة للغاية في ذوقها وطبيعتها، شعرها كان جميل وناعم جدًا يسمى شعر خيلي كان من اجمل أنواع الشعر التي تعاملت معها في حياتي، كنت أقوم بعمل تركيبة معينة من جميع الزيوت المخصصة للشعر، لتغذية شعرها، وكنت أضيف عليه ربع كوب جاز لأنه يجعل الشعر ناعم جدًا، كانت بتعمله كل 15 يومًا.
"قُصة شادية دى حكاية، كل البنات كانوا مهووسين بالقصة، لكن الحقيقة أن شادية كانت قورتها كبيرة شوية وكان لازم أعملها قُصة عشان تناسب شكلها، ربنا خلقها جميلة في كل حاجة" هذا ما قاله كوافير شادية عن قُصتها.
ويكمل: شعرت بحزن شادية مرتين الأولى بعد إجراء العملية الجراحية الشهيرة التي أجرتها، والثانية بعد وفاة أخوها طاهر، وكان آخر مرة شوفتها فيها في ختام حفلة الليلة المحمدية، قبل اعتزالها مباشرة.