البحر الأحمر السينمائى.. علا الشافعى تكتب: "الحفرة" فيلم يتساءل عن التسامح مع الأذى ويؤكد أن سجن الحياة أكثر ظلمًا.. مخرجته الروائية تبحث عن الضعف الإنساني.. والمواجهة بين شقيقين من أجمل المشاهد

تتواصل فعاليات الدورة الثانية لـمهرجان البحر الأحمر السينمائيحتى الـ 10 من ديسمبر الجاري ما بين عروض الأفلام في المسابقات والبرامج المختلفة، والجلسات الحوارية، واللقاءات الصحفية والإعلامية في حالة أشبه بالجري الدائم وعدم التوقف في محاولة لمتابعة أكبر كم من الأفلام وباقي الفعاليات. وهناك العديد من الأفلام اللافتة والمهمة التي تعكس سحر السينما، وتأخذنا لعوالم متعددة من آسيا وأفريقيا وأوروبا وأنحاء العالم لنري ونشاهد قصصًا تروى من وجهات نظر مختلفة ليتأكد لنا دومًا أن الهم الإنساني واحد وأن السينما التي تعكس تلك الهموم خلقت لتبقي أو كما جاء في شعار المهرجان "السينما كل شيء". ومن هذه الأفلام، الكيني "الحفرة" بطولة جاستن ميريتشي، وإخراج الروائية والمخرجة الكينية "أنجيلا ونجيكو"، الفيلم الذي صاغته مخرجته بشفافية وحساسية شديدة سواء على مستوى السرد البصري أو الدرامي، يطرح علينا العديد من التساؤلات الفلسفية حول معني التسامح والغفران، وإلى أى مدى تستطيع أن تسامح أو تلتمس العذر لمن تسبب في أذي كبير لك، وهل نستطيع التعامل مع العقد المترسبة في أعماق النفس بسبب ذلك الأذي والوجع، ومدي تقبل المجتمع لأصحاب الخطيئة كما يطلقون عليها من وجهة نظرهم، وكيف يعاقب المجتمع، ولماذا نقهر بعضنا الآخر؟ ويذهب الفيلم لأبعد من ذلك عندما يطرح تساؤلاً مهمًا هل الغفران والتسامح فضيلة موجودة فقط في الكتب المقدسة أم إن الإنسانيملك الكثير من القدرة على المغفرة الكثير؟ كل تلك التساؤلات وأكثر يطرحها فيلم "الحفرة"، العنوان الذكي الذي اختارته المخرجة أيضًا فكل تلك المعاني والتساؤلات السابقة تشبه حفرة أو هوة سحيقة لا يستطيع الجميع الخروج منها أو تجاوزها. فيلم "الحفرة" يحكي قصة جيفري البالغ من العمر 35 عامًا وهو سجين سابق تم إطلاق سراحه بعد 7 سنوات قضاها عقابًا له على قتل زوجته الحامل في لحظة غضب جنونية، وتم وضعه تحت رعاية مجمع القساوسة الكاثوليك في قرية شيموني الصغيرة في ريف كينيا، والتي يعرفها جيفري جيدًا ويكره الحياة فيها. يبدأ السيناريو بإيقاع متريث لا نكتشف كل التفاصيل المتعلقة بشخصية جيفري مرة واحدة بل أن المخرجة ولأنها روائية غزلت تلك التفاصيل بحساسية شديدة، إذ نأخذ بعض الوقت لنتعرف على سبب سجن جيفري بطل الفيلم، ونظل لفترة نتساءل حول تجهمه الدائم وكرهه الشديد للقرية، ورفضه التعامل أو التعاون مع المحيطين به في مزرعة الأبقار التي وضعه فيها راعي الكنيسة، مع تلك المرأة الممتلئة المزعجة. ويتأرجح إحساسك بشخصية جيفري وتقع في حيرة لبعض الوقت هل تكرهه وتأخذ موقف نفسي ضده، أم تتعاطف معه بعد أن تجده يتبول على السرير ولا نفهم السبب، كما أنه طوال الوقت يعلن عن تذمره ورفضه لواقعه الجديد بعد أن كان مدرسًا مرموقًا للغة الإنجليزية، ولكن بعد خروجه من السجن أصبح مطالبًا بحلب الأبقار، وتنظيف الروث، والقس راعي الكنيسة دائما يحدثه عن الغفران، وفى لحظة نفسية ضاغطة يسأله جيفري عن أي غفران يتحدث، وأن هذا المعني لا يوجد سوى في الكتب المقدسة، خصوصًا وأن الممارسات اليومية وتفاصيل الحياة داخل تلك القرية الصغيرة مليئة بالتناقضات، بل إنها أحيانًا ما تصل إلى أفعال شائنة. الفيلم الكيني الحفرة ومع رفض جيفري التعامل بمنطق الأب راعي الكنيسة، والكوابيس التي تطارده وحالته النفسية المتدهورة ورغبته في الانغلاق التام على نفسه، نكتشف عن أنه كان ضحية للتحرش والاغتصاب هو وشقيقه الأكبر من قبل أحد سكان القرية الذي كان يروي لهم قصة الغول المرعبة ثم يأمرهم بخلع سراويلهم، لم يهزم جيفري مخاوفه وظل بداخله غضب مكتوم، في حين أن شقيقه الأكبر الذي خذله ولم يستطع أن يوفر له الحماية، أو ينتقم لما حدث لهما في الماضي، يعمل ويشرب كثيرًا مصطنعًا أنه تناسي ما حدث له، لأنه رجل وعليه أن يعيش كرجل دون وصمة عار، أو حتى فى محاولة الكشف عن مخاوفه. وفي واحد من أجمل مشاهد الفيلم أدائيا وإخراجيًا وصياغة درامية وحوار ذكي ومكثف هو المواجهة بين الشقيقين عندما حضر الشقيق الأكبر لجيفري ليخبره أن والدهما توفي بسبب ما قام به وأنه غير مرغوب في حضوره الجنازة، لتبدأ المواجهة من خلال الحوار المتصاعد وزاوية الكاميرا والإضاءة وأداء الممثلين المحكم والمنضبط، ونشاهد الشقيق الأكبر وهو ينفجر في البكاء ويشاهده جيفري ساكنًا لأنه لأول مرة يكشف له شقيقه حجم المعاناة داخله، مع تلصص راعي الكنيسة عليهما ومعرفته بحقيقة ما تعرضا له ومعرفته بسر أزمة جيفري. تتداخل الخطوط الدرامية في الفيلم مع ظهور (بياترس) المراهقة التي تعجب بجيفري، وطوال الوقت يصدها إذ يخشي أن تعرف ماضيه كقاتل وترفضه بعد ذلك وفي مشهد بديع أيضًا تصارحه بأن والدتها توفت بعد أن نقل لها والدها فيرس الإيدز وتركهم وربتها جدتها، وأنها تحمل هذا الفيروس الصغير اللعين، وأنه لا أحد في القرية يعرف هذا السر الذي تكتمه هي وجدتها، خصوصا وإنهما تخشيان رد فعل القرية، وبتفاصيل صغيرة جدًا نري رهافة المخرجة جيفري الذي يمسح دموعها ويربت على خدها لكنه لا يستطيع أن يبوح بوجعه هو الآخر، إلى أن ينكشف سره، وفجأة تتحول القرية معظمها ضده ويرفضون بقاءه بحجة أنه قاتل النساء، القس يدافع عنه، وكذلك النجار الذي كان يساعده في متجره، وفجأة تتواطأ معظم شخصيات القرية بما فيهم المغتصب الذي يعيش حياته مستمتعا بأطفاله، ويتفقون على حرقه حيًا في الكوخ الذي يسكن به، ويشعر بأنه بات محاصرًا كمن يحصل صليبه منتظرًا نهايته، لتأتي النهاية الصادمة بانتحاره هربا من مخاوفه، وكوابيسه التي تطارده وقسوة البشر التي باتت تحاصره ليس فقط من خلال الحكم عليه أخلاقيا، بل إنها وصلت لحد القتل. الحقيقة أن كتابة الفيلم شديدة الذكاء والثراء والعمق حيث نجحت المخرجة أنجيلا وماي في الحكي عن رجال هزمتهم الحياة، خصوصًا أنها ولدت وتربت فتاة وحيدة وسط أخوة من الذكور وكما قالت: "لاحظت أن الذكور في وطني كينيا يصابون بوصمة مجتمعية تلزمهم أن يكونوا أقوياء ولا يعبرون عن مشاعرهم ومن هنا زاد اهتمامي بمناقشة الضعف الإنساني من منظور ذكوري"، وهو ما نجحت فيه بشكل كبير من خلال فيلمها شديد الخصوصية والدافئ جدًا رغم قسوة ما يناقشه.. والمعني الأكبر الذي يحمله هو أن سجن الحياة عادة ما يكون الأكثر ظلما وعنفا.










الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;