تشعر مع وقع خطاك على درج السلالم شعور الدالف إلى غرفة المشرحة.. رائحة الموت تنتشر بين جنباتها.. خدمات معدومة.. السرنجات الفارغة وعبوات العقاقير والمخلفات الطبية ترسم لوحة فنية على أكوام القمامة التى تنتشر بطول الجدران.. القطط والفئران السمينة تستقبلك وتصاحبك وتقدم لك واجب الضيافة كما ينبغى.. غابت الرقابة فانعدم الضمير.. عذراً.. عن المستشفيات الحكومية نتحدث.
يرتادها أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم دقوا أبوابها لقلة الحيلة وقلة رزقهم، فيصدمون بأصحاب البالطو الأبيض، ممن فقدوا ضمائرهم وفضلوا "السبوبة" الخاصة، وفرغوا مجهودهم وخبراتهم لعياداتهم وبخلوا بها عن العاجزين عن توفير ثمن شفاء أوجاعهم وعلاج أحبائهم، وعن ملائكة الرحمة أتحدث، مجموعة من النساء البدينات يقضين أوقات العمل فى جلسات النميمة داخل غرفات التمريض.. والعزباء منهن يصرخ تليفونها المحمول من سوء الاستعمال.. يستنجد بمن ينقذه من براثن الكائن الذى أطبق عليه كفيه بوحشية ليتحدث بشكل متواصل لساعات طويلة دون توقف.
رحلة عذاب ومعاناة يعيشها كل من أجبرته الظروف على ارتياد أحد المستشفيات الحكومية، مرارة وحسرة وغيظ وقهر.. مزيج من المشاعر تعيشها حال أجبرتك الظروف لاصطحاب مريض لعلاجه داخل أحد المستشفيات الحكومية، تدخل الاستقبال صارخا.. مستنجدا.. مستغيثا.. الحقونا.. معانا حالة بتموت.. وكأن على رؤوسهم الطير.. لو تحركت الجدران واستجابت لصراخك لا تنتظر استجابة طاقم الاستقبال.
أقسام الطوارئ تتكدس بالمرضى، الذين افترشوا الأرض بالممرات والطرقات، نظراً لضيق المكان، وعدم وجود أسرة شاغرة جاهزة لاستقبال الحالات التى تزيد يوما بعد آخر.
العناية المركزة تحتاج عناية مركزة خاصة، فإذا كنت من أصحاب الحظ السعيد، تستطيع الحصول على سرير داخل غرفة عناية مركزة بمستشفى حكومى بطريقين، الأول التضحية بإحدى الحالات الموجودة والميئوس فى شفائها أو توفير أحد الأسرة داخل غرفة العناية دون توافر أجهزة الرعاية الطبية اللازمة – نصب فى نصب يعنى.
أما عن توافر الدواء اللازم مجانا للمرضى، فمن ينكر ذلك.. بداية من خيط العمليات الجراحية، والسرنجات والحقن، الشاش والقطن الطبى، المحاليل الدوائية واللاصقات الطبية، كل ذلك موجود ومتوافر داخل دواليب حديدية أكلها الصدأ لقلة الاستعمال، لكن الصرف حسب المزاج – كمان حسب الفلوس، ومن لديه القدرة فى ذلك الوقت على الاعتراض، ستجد برودة الإنجليز الأصلية على وجوه كل أفراد الطاقم الطبى، ولن تملك فى النهاية إلا الطاعة والإذعان لأوامرهم.
إذا عرجنا بالحديث عن مطابخ المستشفيات المعنية بتصنيع وطهى وجبات المرضى، فلا تندهش إذا وجدت الوجبات ملقاة فى القمامة كما هى لم تمتد إليها يد، فالمطابخ فى غالبية المستشفيات الحكومية تخالف كل الاشتراطات الصحية المطلوبة والضرورية لعمل وجبة صحية يتم تقديمها لمريض خاضع للعلاج.
ودائما لغة الأرقام هى الفيصل فى الحديث، كانت مديرية الشئون الصحية بالإسكندرية، قد أصدرت تقريرا عن حالات الوفاة بمستشفيات وزارة الصحة والتى قدرت بحوالى 1820 شخصًا فى 15 مستشفى لعام 2015، بزيادة 41 حالة عن عام 2014، حيث بلغ عدد حالات الوفيات فيه 1779 حالة.
وأشار التقرير إلى أن عدد المرضى الذين تلقوا العلاج بالمستشفيات خلال عام 2015 بلغ 569 ألفاً و833 حالة، مقابل 2 مليون و749 ألفاً و880 حالة بالعيادات الخارجية بمستشفيات وزارة الصحة فى عام 2014، مقابل 752 ألفاً و213 حالة فى أقسام الاستقبال، فيما بلغ عدد مرضى الدخول 89 ألفاً و81 حالة والمرضى الذين خرجوا أحياء 85 ألفاً و862 حالة، ووفاة 1779 حالة فى عام 2014.
وهنا نطرح السؤال الأهم.. ما الفارق بين المستشفى الحكومى والخاص؟.. الرقابة غائبة تماما عن المستشفى الحكومى، والعاملون فيها بدءاً من الأطباء والفنيين وطاقم التمريض حتى عمال الخدمات والنظافة يتعاملون مع المرضى وذويهم باعتبارهم "شحاذين" يتسولون منهم العلاج، بالرغم من أن الدولة معنية بدفع قيمة تلك الخدمة نيابة عن المعدومين ومحدودى الدخل، وغير القادرين على دفع نفقات العلاج فى المستشفيات الخاصة.
أما فى المستشفى الخاص، فإن المريض وذويه يلقون خدمة سياحية – 5 نجوم – الكل يتنافس على خدمته وتقديم المساعدة له ولمرافقيه، لأن طاقم العمل يعلم عقوبة التقصير فى مساعدة رواد المستشفى، ويتجنب شكاوى العملاء، لأن إدارات المستشفيات الخاصة يتعاملون وفق القاعدة التجارية القائلة "الزبون دائما على حق" – قليل من الضمير يرحمكم الله.