تمر اليوم ذكرى ميلاد كروان الشرق الفنانة الكبيرة فايزة أحمد التى ولدت فى مثل هذا اليوم الموافق 5 ديسمبر، واختلفت المصادر حول سنة ميلادها ما بين عامى 1930، 1934، وتأتى ذكرى كروان الشرق هذا العام بعد أيام من رحيل حبيب عمرها وشريك إبداعها وزوجها ووالد ابنيها طارق وعمرو الملحن الكبير محمد سلطان، الذى عاش على ذكراها مخلصًا لحبها بعد رحيلها لما يقرب من 40 عامًا حتى لحق بها.
فايزة أحمد إحدى كبار نجمات الطرب التى صنفها الكثيرون بأنها من أجمل الأصوات العربية والتى تركت بصمتها بين كبار نجمات الطرب وتميزت وأبدعت مئات الأغانى الراسخة فى الوجدان الفنى والإنسانى والتى خلدت اسمها بين جميع الأجيال التى تعشق صوتها.
غنت فايزة أحمد العديد من الروائع الرومانسية والوطنية، غنت للحبيب وللأم والأخ والبيت والأسرة، وتعاونت مع عمالقة التلحين والتأليف ومنهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ومحمد الموجى وفريد الأطرش، وكمال الطويل وبليغ حمدى ومحمود الشريف، ولكن كان النصيب الاكبر من أغانيها تلحين زوجها الراحل الكبير الفنان محمد سلطان.
ولدت فايزة أحمد لأب سورى فى صيدا بلبنان ونشأت وعاشت بدايات حياتها فى دمشق وتدربت على يد الملحن محمد النعامى، وانطلقت فى مسيرتها الفنية بعد أن سافرت إلى مصر واعتمدت فى الإذاعة المصرية وقدمت عددًا من أشهر وأجمل الأغانى التى وضعتها على طريق النجومية، ومنها أنا قلبى لك ميال، ويا امة القمر عالباب، ست الحبايب، بيت العز، خليكوا شاهدين وغيرها العديد من الأغانى الوطنية والرومانسية والدينية.
لم تكن حياة فايزة أحمد سهلة ولكنها عانت كثيرًا خلالها من القسوة والفراق والمرض والحرمان، حيث كتب عليها القدر الحرمان لفترات من أغلى الأحباب، فتزوجت الفنانة الكبيرة وهى فى سن صغيرة من نعامى السورى والد ابنتها فريال وسرعان ما طلقت منه ثم تزوجت من مختار العابد وأنجبت منه أكرم وأمانى اللذان، وبعد خلاف معه حرمها منهما، وعاشت فايزة فترات صعبة وذكرت فى بعض حواراتها الصحفية أنها تزوجت لأول مرة وهى فى سن 13 عامًا، وأن الفرق بينها وبين ابنتها فريال 14 عاما فقط ، وعاشت فترات صعبة بعدما حرمها زوجها الثانى من ابنيها أكرم وأمانى، وكانت تناجى ربها دائما وتذهب إلى الأولياء الصالحين فى مصر تتوسل لله حتى يجمعها بأبنائها، وتقرأ القرآن وترتله حتى تهدأ نفسها.
وبعدما تعرفت على الفنان محمد سلطان فى منزل الموسيقار الكبير فريد الأطرش وتعاونت معه جمع الحب بين قلبيهما و تزوجا وأنجبا ابنيهما التوأم طارق وعمرو، وكان حب عمرها الذى عاشت معه 17 عاما وحتى عندما افترقا وعلم سلطان بمرضها أعادها إلى عصمته ليلازمها فترة مرضها حتى أنها ماتت على صدره وكانت تقول له أنها لم تعرف السعادة إلا معه.
وهناك العديد من المعلومات التى قد لا يعرفها الكثيرون عن فايزة أحمد وحياتها وروائعها، فعلى سبيل المثال جميعنا استمتع بأغنية أنا قلبى ليك ميال أشهر أغانى كروان الشرق فايزة أحمد، التى يظن كل من استمع إليها أنها أغنية عاطفية تغنيها حبيبة لحبيبها ولا يتخيل أن وراء هذه الأغنية مأساة حزينة عاشتها فايزة أحمد التى كانت حياتها سلسلة من الأحزان، بل ولا يمكن لأحد أن يتخيل أن تكون فايزة أحمد قد غنت هذه الأغنية بكل أحاسيسها وجوارحها لتعبر عن مأساتها التى عاشتها فى بداية مشوارها الفنى مع ابنتها وأول فرحتها.
وفى مقال نادر للفنانة الكبيرة فايزة أحمد كتبته فى الخمسينيات كشفت قصة هذه المأساة تحت عنوان "قصة البطل الحقيقى لأغنية أنا قلبى ليك ميال"، وقالت فايزة أحمد إنها كانت تحرص دائما على أن تخفى عن الناس أحزانها التى عاشتها، حتى تجتاز هذه الأحزان، مشيرة إلى أنها لذلك وبعد أن مرت المأساة التى عاشتها وكانت سبباً فى أغنية أنا قلبى ليك ميال ستكشف عن تفاصيل هذه المأساة.
وأوضحت كروان الشرق أنها تزوجت فى بداية حياتها من شاب أحبته حباً كبيراً وفرحت حين شعرت بجنين يتحرك فى أحشائها منه، وأسرعت لتزف له البشرى، ولكن كانت صدمتها كبيرة حين قابل الزوج هذا الخبر بغضب وطلب منها أن تتخلص من الجنين لأنه لا يريد أطفالاً فى هذه الفترة.
وأشارت فايزة أحمد إلى أنها عارضت الزوج ورفضت طلبه مؤكدة أن هذا كفر وأنها تنتظر هذا المولود ولن تتخلص منه مهما كان الثمن، فهددها الزوج بالطلاق إذا لم تستجب لإرادته.
وأكدت فايزة أحمد أنها حسمت المناقشة والقرار لصالح المولود، ووقتها لم تطق الحياة فى دمشق، وقررت السفر للقاهرة، حيث تقدمت للإذاعة المصرية، وطلب قسم الموسيقى الاستماع للمطربة الشابة القادمة من دمشق فيما يشبه الاختبار الذى تقيمه الإذاعة للمبتدئين، وبالفعل غنت الفنانة الكبيرة للجنة بعض الموشحات والأغانى واجتازت الامتحان بتفوق، لذلك عهدوا إليها بأغنيات لكبار الملحنين فى مصر ومنهم زكريا أحمد، وأحمد صدقى وكمال الطويل ومحمد الموجى وغيرهم.
وأكدت فايزة أحمد أنها غنت كل الأغانى باجتهاد لكنها لم تحقق النجاح الكبير إلا عندما غنت أغنية "أنا قلبى ليك ميال" التى كتب كلماتها مرسى جميل عزيز ولحنها محمد الموجى وغنتها هى بإحساس مختلف، حيث وجدت فى كلمات الأغنية خير تعبير عن حالها، مؤكدة أن بطل الأغنية لم يكن رجلاً فى خيالها بل كان هذا الجنين الذى يتحرك فى أحشائها، والذى كان وقت تسجيل الأغنية فى شهره السابع.
وقالت الفنانة الكبيرة "حين غنيت ومليت الدنيا عليا ود وحب وحنية .. خليتنى أحب الدنيا طول أيامى ولياليا، بكيت بشدة وغسلت الدموع وجهى، وظهرت بحة البكاء فى صوتى، ونجحت الأغنية لأنى عشت فيها، وكأنها حياتى التى أصبحت لحناً وكلمات".
وبعد أشهر قليلة وضعت مولودها وكانت طفلة جميلة أطلقت عليها اسم غادة، وفرحت بها فايزة أحمد حيث ملأت حياتها حباً وحناناً.
ولكن كانت الصدمة حين بلغت الطفلة عمر 5 أشهر وخطفها الموت، فكانت أكبر مأساة فى حياة فايزة أحمد وأظلمت الدنيا فى وجهها، وكادت الوحدة ومشاعر الحزن تقتلها، ولم تجد مفراً سوى العودة للقاهرة لتستانف مشوارها الفنى.
وفى نهاية مقالها أشارت كران الشرق إلى أن الموجى ومرسى جميل عزيز شعرا بما كانت فيه من أحزان وعبرا عن حالها فى أغنية جديدة كما فعلا فى أغنية أنا قلبى ليك ميال، وكتب مرسى جميل عزيز أغنية : يا وحدتى يا انا .. ياانا ياحيرانة..اللى طفى شمعتى وفاتنى فى وحدتى..خدى على مخدتى وهمومى سهرانة ياوحدتى ياانا" ووضع لحنها محمد الموجى لتعبر من جديد عن أحزان فايزة احمد ومأساتها.
وقد تتعجب عزيزى القارئ حين تعرف قصة أغنية "يامه القمر عالباب"، إحدى أجمل أغانى فايزة أحمد، التى فتحت للفنانة الكبيرة أبواب الشهرة والنجومية بقدر ما فتحت أيضًا أبواب الهجوم والانتقاد وقت خروجها للنور.
ففى حين نرى الآن كلمات الأغنية عادية وليس بها ما يخدش الحياء والأخلاق، خاصة ونحن نرى ونسمع العديد من الأغانى فى العصر الحالى تحتوى على ألفاظ وجمل غير لائقة وتتنافى مع الذوق والأخلاق، أحدثت أغنية "يامه القمر عالباب" حين خرجت للنور ضجة ومشكلات واسعة، واعتبرها الكثيرون أغنية مائعة خادشة للأخلاق وتتنافى مع الآداب العامة وأحدثت ثورة فى البرلمان المصرى، حيث تقدم النائب الشهير وشيخ البرلمانيين سيد جلال باستجواب لوزير الإرشاد بسبب هذه الأغنية التى اعتبر كلماتها مُخلة بالآداب وتتنافى مع الأخلاق والقيم، وطالب بعدم إذاعتها ووصفها بالأغنية المائعة التى تثير الشباب وتؤدى إلى الانحلال.
وعلى الرغم من أن الأغنية بقيت ولم يتم منعها إلا أنها أثارت العديد من الانتقادات، وتم منعها فى الأردن بعدما أصدرت وزارة الأنباء الأردنية قرارًا بمنع إذاعتها بناء على توصيات الجهات الدينية.
وكانت الأغنية من تلحين الموسيقار الكبير محمد الموجى الذى لحن لفايزة أحمد العديد من الأغنيات التى كتبت لها الشهرة فى مصر والعالم العربى، منها (تمر حنة، وبيت العز، وحيران) وغيرها، ووضع كلمات الأغنية الشاعر الكبير مرسى جميل عزيز، ورغم الهجوم والانتقادات بقيت الأغنية التى كانت ولا تزال من أجمل وأنجح أغنيات كروان الشرق فايزة أحمد.
أما أغنية بكرة تعرف فقد بكى الموسيقار الكبير محمد سلطان وهو يتحدث عنها فى حواره معنا بعد رحيل فايزة أحمد بما يقرب من 37 عاما قائلاً: «كانت دايما تقوللى بكرة تعرف بحبك أد إيه، ومن كتر ما كانت بتكررالجملة دى أخدها المؤلف عم بطشة وكتب الأغنية».
واشتهرت فايزة أحمد بين أبناء الوسط الفنى بأنها مستجابة الدعوة وكان العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ يخشى من أن يغضبها، خاصة بعد أن حدث بينهما موقف أصبح بعده يخشى من دعائها عليه ويؤمن بأنها مستجابة الدعوة.
ففى إحدى الحفلات التى كان مقررًا أن يشارك فيها العندليب بالغناء فى المغرب بمناسبة الاحتفال بالعيد الملكى قابله أحد الصحفيين المصريين فى صالون الفندق الذى يقيم فيه، وقال له إن الفنانة فايزة أحمد فى أشد حالات الغضب والثورة عليه، لأنها تتهمه بأنه هو السبب فى منعها من المجيء للمغرب، فضحك عبدالحليم وقال: "سبحان الله أنا الذى منعت 7 سنوات من دخول المغرب ووضعت أنا وأغنياتى على اللائحة السوداء يتم إتهامى بأنى أمنع الناس من المجيء للمغرب، وكيف هل أنا الحاكم فى هذا البلد؟".
وأوضح الصحفى أن فايزة أحمد قالت إن عبد الحليم يتولى مسئولية التعاقد مع الفنانين الذين يشاركون فى الحفلات المقامة بالمغرب، وتقول إن حليم يغار منها لأنها عندما سافرت للمشاركة فى هذه الاحتفالات عام 1961 حققت نجاحا كبيرًا وتفاعل معها الجمهور بشكل لافت ولهذا السبب لا يريد مشاركتها فى أى حفلة يكون فيها.
وقال الصحفى لعبد الحليم كل ما أغضب فايزة أحمد فأقسم العندليب بأن شيئًا من هذا لم يحدث وأنه لا يكن لفايزة سوى كل احترام ومودة ولا يريدها أن تسيء الظن به لأن وزارة الإعلام هى التى كانت تفوضه بالتعاقد مع الفنانين الذين تريدهم أن يشتركوا فى حفلات المغرب دون أن تترك له حرية اختيارهم.
فضحك الصحفى وقال: "على العموم فايزة بتدعى عليكم وتقول إن دعوتها مستجابة وأنكم لن توفقوا فى حفلاتكم"، وما أن هل صباح اليوم التالى حتى شهدت المغرب إنقلاب الصخيرات عام 1971 وألغيت كل الحفلات التى جاء الفنانون من مصر ولبنان للمشاركة فيها، فعادوا إلى بلادهم.
وعاد عبد الحليم حزينًا، وعندما وصل إلى القاهرة تذكر فايزة أحمد ، وأخذ يقسم لكل من يراه أنه برئ من تهمة إبعادها عن حفلات المغرب، بل أنه من أجل إقناعها قرر أن يعتذر لوزارة الإعلام المغربية عن عدم استطاعته أن يكون وسيطا بينها وبين الفنانين حتى لا يتوهم أحد أنه المتحكم فى اختيار المشاركين فى هذه الحفلات، وتودد العندليب لفايزة أحمد حتى يصالحها خوفا من دعوتها المستجابة.