فشلت محاولات العدو الإسرائيلى الثلاث فى انتزاع العلم المصرى، الذى زرعته قواتنا على موقع بين القنطرة وجزيرة البلاح، يوم 6 ديسمبر 1969، وظل العلم مرفوعا، حسبما يذكر الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية وقتئذ فى مذكراته «حرب الثلاث سنوات، 1967-1970».
يكشف «فوزى» فى مذكراته أنه تلقى إخطارا من قائد الجيش الثانى اللواء عبدالمنعم خليل، بنجاح قوة من سرية المشاة تتكون من 250 ضابطا وجنديا فى الاستيلاء على نقطة قوية للعدو الإسرائيلى فى موقع يشرف على تفرع قناة السويس حول جزيرة البلاح الرملية، ورفعت عليها علم مصر لأول مرة بعد هزيمة 5 يونيو 1967، وطلب «خليل» بقاء هذه القوات فى مواقعها التى استولت عليها، لكن فوزى رفض مكتفيا بعنصر المفاجأة، وما حققته من نجاح معنوى كبير، وما أعطته من ثقة كبرى بإمكانية العبور بقوات كبيرة، ومهاجمة نقط العدو القوية والاستيلاء عليها والبقاء فيها كيف تشاء.
يؤكد «فوز ى»: «ظل علم مصر مثلث الألوان يرتفع على أعلى ربوة بالموقع شرق القناة جنوبى جزيرة البلاح، مثبتا فى قاعدة خرسانية قوية، تحرسه قواتنا من الجانب الغربى للجزيرة حتى وقف إطلاق النيران المؤقت فى أغسطس 1970».
وقعت هذه العملية البطولية أثناء حرب الاستنزاف، التى خاضها الجيش المصرى ضد القوات الإسرائيلية بعد هزيمة يونيو1967، ويكشف فوزى عن التخطيط لها وتنفيذها، قائلا: «خططت قيادة الجيش الثانى الميدانى مع قيادة الفرقة الثانية مشاة، عملية إغارة بقوة سرية مشاة على نقطة قوية للعدو كاملة التجهيز بخنادقها وملاجئها ودشمها، وكانت خطة القوات الإسرائيلية احتلالها على فترات، وإخلاءها على فترات أخرى إلا من عناصر مراقبة صغيرة، تاركين معداتهم وتعييناتهم وحتى أنابيب البوتاجاز الكبيرة ومقطورات المياه، وانتهزت القوة إخلاء الموقع إلا من عناصر المراقبة، وقامت باحتلال جنوب جزيرة البلاح الرملية، وأخذت القوة معها علم مصر مثلث الألوان، ورفعته على أعلى رتبة فى الموقع، ولما شعر أفراد الموقع بقواتنا فروا هاربين تاركين معداتهم، وبعض الأسلحة والكثير من المعلبات، وحاول العدو فى أول ضوء استرداد الموقع ولكنه فشل، حيث كانت قواتنا فى جزيرة البلاح مسيطرة سيطرة تامة على المنطقة حولها ».
فى 8 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1969 حاولت القوات الإسرائيلية ثلاث مرات انتزاع العلم المصرى، وفقا لبيان المتحدث العسكرى المصرى الذى نشرته الأهرام فى 9 ديسمبر 1969، والذى أطلق على هذه المحاولات اسم «معركة العلم».. ويكشف البيان: «حاول العدو، ظهر الاثنين 8 ديسمبر، انتزاع علم الجمهورية العربية المتحدة «مصر» الذى رفعته القوة المصرية التى أغارت على مواقع العدو بمنطقة شرق البلاح، حيث انسحب العدو بعمق 5 كيلو مترات، وتفادى التعرض لقواتنا، واستولت قواتنا على المواقع وظلت مسيطرة عليها سيطرة كاملة حتى مساء 7 ديسمبر 1969، حيث قامت بتدمير دشم ومعدات العدو، ثم عادت إلى قاعدتها بعد أن رفعت علم الجمهورية العربية المتحدة».
يكشف البيان، أنه عند ظهر أمس «8 ديسمبر» حاول العدو أن يتقدم بدباباته وعرباته المدرعة لاستعادة الموقع، فدمرت له إحدى الدبابات نتيجة إصابة مباشرة من أحد مدافعنا المضادة للدبابات فى الضفة الغربية للقناة، ثم حاول العدو مرة أخرى الوصول إلى مكان العلم بأفراد محملين فى عربتين نصف جنزير، وكان نصيبهما هو التدمير وقتل جميع من فيهما، وبعد ساعة قام العدو بهجوم ثالث على الموقع «الخالى» تحت مظلة من 12 طائرة «سكاى هوك»، فتصدت لها وسائل الدفاع الجوى المصرية، وأسقطت طائرة منها على حافة القناة، وعلى الفور انسحبت القوات الإسرائيلية، وظل العلم المصرى مرفوعا على الضفة الشرقية للقناة».
وفيما نشرت «الأهرام» فى عددها 9 ديسمبر 1969 صور هذه العملية البطولية مزودة بلقاءات مع بعض أبطالها، قدمت قراءة لها فى عدد 8 ديسمبر، بإبراز العلامات والآثار التى تركتها وهى: «أولا، الحجم الكبير للقوات المصرية العابرة «سريتان مشاة تضمان 250 فردا»، وهذا هو أكبر عملية عبور للوحدات المقاتلة المصرية منذ معارك يونيو 1967 باستثناء عملية عبور قامت بها دورياتنا يوم 10 أكتوبر 1969، وضمت قوات من 250 فردا، ولكن مهمتها كانت استطلاعية فقط، ثانيا، النجاح الكامل لقواتنا فى اقتحام جبهة العدو والبقاء فوقها 24 ساعة، دون أن يتمكن العدو من إجلائها عن المواقع التى احتلتها، ثالثا، المفاجأة الكاملة للعدو بالعملية حتى إنه سحب قواته الأصلية والاحتياطية من المنطقة إلى عمق يصل إلى 6 كيلو مترات داخل خطوطه، رابعا، جرأة الرجال فى تنفيذ العملية ثم القرار الحاسم لقائد القوة بالبقاء فى المواقع، التى احتلها رغم النشاط المتصل لطيران العدو حول هذه المواقع، ونجاح القوة قبل انسحابها فى تدمير جميع تحصينات العدو ومعداته فى منطقة الهدف المحصورة بين القنطرة والبلاح.