كانت الساعة الواحدة ظهر 10 ديسمبر، مثل هذا اليوم 1978 حين بدأت مراسم الاحتفال بتسليم الرئيس السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين جائزة نوبل للسلام، فى قلعة «أكير شوس» التاريخية المطلة على مداخل أوسلو بالنرويج، وحضر مراسم الاحتفال 250 مدعوا على رأسهم ملك النرويح «أوراف الخامس»، وولى العهد وقرينته ورئيس وزراء النرويج، حسبما تذكر الأهرام يوم 11 ديسمبر 1978.
ذهبت الجائزة إلى السادات وبيجين لتوقيعهما اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، وبينما أناب السادات، مساعده المهندس سيد مرعى لاستلام الجائزة، وإلقاء كلمة نيابة عنه، حضر «بيجين» ليتسلمها بنفسه، وتصادف ذلك مع وفاة جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل أثناء حرب أكتوبر 1973، مما أدى إلى تعديل يسمح لبيجين بالعودة إلى إسرائيل بعد إلقاء كلمته لحضور الجنازة.
وفيما كانت الإجراءات الرسمية للحفل تسير وفقا لترتيبها المعد سلفا، كانت هناك مظاهرات غاضبة.. تذكر الأهرام، أن سيد مرعى وبيجين توجها إلى قلعة «أكبر شوش» وغادراها بالطائرة الهليوكوبتر، وبذلك لم يواجه بيجين مجموعات الشباب النرويجى الموالى للفلسطينيين الذين تجمعوا بالقرب من القلعة للإعراب عن اعتراضهم على منح جائزة السلام إلى بيجين بصفة خاصة، وتؤكد الأهرام أنه لم يقع أى حادث فى القلعة نفسها التى أحاطت بها قوات كبيرة من البوليس والجنود المسلحين بالمدافع والرشاشات.
تضيف الأهرام نقلا عن وكالات الأنباء العالمية، أنه قبل دقائق من وصول طائرة بيجين إلى القلعة، فرق البوليس النرويجى مجموعة متظاهرين قيدت نفسها بالسلاسل إلى مدخل القلعة، واقتاد رجال البوليس 10 من المتظاهرين الذين ارتدوا ملابس عربية وعسكرية، بينما غطوا وجوههم وأيديهم بطلاء أحمر، وأطلق بعضهم بالونات تحمل علم فلسطين، غير أن قوات الأمن النرويجية سمحت فقط بمسيرة للمنظمات الفلسطينية مساء فى مكان آخر بالعاصمة «أوسلو»، وخلال الحفل نفسه تجمع خارج القلعة مئات من المتظاهرين يحملون أعلاما فلسطينية ورددوا: «بيجين إرهابى».
تذكر الأهرام فى تغطيتها لوقائع الاحتفال، أنه بعد عزف مقطوعة موسيقية فى بداية الاحتفال، ألقت بعدها السيدة «ايزلبونترز» رئيسة لجنة نوبل كلمة قالت فيها: «إن لجنة نوبل النرويجية منحت جائزتها للسلام لعام 1978 للرئيس أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية، ومناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل تقديرا لجهودهما فى التوصل إلى إطار اتفاقيتى كامب ديفيد للسلام فى الشرق الأوسط فى السابع عشر من سبتمبر 1978»، وأضافت: أننا لم نشهد من قبل فى تاريخ جائزة السلام الممتد لفترة تناهز الثمانين عاما احتفالا بمنح الجائزة مثل احتفالنا هذا، كما أنه لم يحدث فى أى وقت أن رأت لجنة نوبل أنه من المناسب أن تمنح جائزتها إلى منطقة الشرق الأوسط الحافلة بالاضطرابات والنار الباعث على الأسى.
وقالت أيضا: «إن جائزة نوبل للسلام لم تعبر مطلقا من قبل عن أمل كبير وأكثر شجاعة من ذلك وهو الأمل فى تحقيق السلام لشعب مصر وشعب إسرائيل وكل شعوب النزاع والشرق الأوسط الذى مزقته الحروب».. تذكر الأهرام، أنه بعد كلمة رئيسة اللجنة دعت المهندس سيد مرعى ممثل الرئيس السادات ومناحم بيجين حيث سلمتهما شهادتين وميداليتين فضيتين تحملان صور نوبل، ثم ألقى مرعى كلمة تضم رسالة الرئيس السادات، واستغرقت كلمة السادات 15 دقيقة، حدد فيها مفهوم مصر للسلام، وقال: «هل أنا بحاجة إلى أن أذكر فى مثل هذا الجمع الجليل أن أول معاهدة سلام سجلها التاريخ قد أبرمت منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف عام بين رمسيس الأكبر و«خاتوشيلى» أمير الحوثيين الذين اتفقا على حد تعبير المعاهدة ذاتها على إقامة «السلام الحق» وحسن الجوار الحق، ومنذ ذلك الحين وخلال قرون طويلة، بل حتى عندما بدت الحروب كشىء ضرورى فإن الروح المصرية الحقيقية كانت دائمًا روح السلام، وكان طموحها دومًا أن تبنى ولا تهدم، تشيد ولا تحطم، تتعايش ولا تبيد.
يضيف السادات: «فى ضوء ذلك كله قمت منذ عام مضى بمبادرتى مستهدفا استعادة السلام فى منطقة مباركة اختارها الله على وجل ليوحى للإنسان بكلماته، ومن خلالى فإن مصر الخالدة كانت تعبر عن نفسها، دعونا نضع حدًا للحروب، ودعونا نعيد تشكيل الحياة على أسس ثابتة من الحق والعدل، أننى أود فى هذا المجال أن أذكركم بما سبق وأعلنته خلال زيارتى للقدس فقد قلت يومها: دعونا نصارح أنفسنا اليوم بأننا أمام فرصة نادرة لتحقيق السلام، فرصة قد لا تتكرر، وإذا كنا مخلصين بالفعل فى إقامة السلام فإن علينا ألا ندع الفرصة تمر، إن ضياع حياة فرد واحد فى حرب يمكن تداركها سواء كان هذا الفرد عربيا أم إسرائيليا هى خسارة للإنسانية».