على مدار عقود لم تتوقف التفاعلات والتحولات فى السياسة والاقتصاد، خاصة أنه مع نهاية الحرب الباردة، كانت الصين تصعد كقوة اقتصادية صناعية وتجارية، توسع من التحرك نحو شراكات تفتح لها الأسواق، فى وقت بدا أن تأثير الولايات المتحدة الاقتصادى يتراجع، لأسباب تخص الأهداف الأمريكية، وأيضا مقابل صعود قوى اقتصادية بشكل كبير، تمثل أفقا جديدا للمنافسة. وقد كشفت التحولات الأخيرة عن أهمية بناء نظام دولى أكثر عدالة، وأقل تأثرا بالصراعات والأزمات، بالطبع فإن الدول العربية والأفريقية ترى أنها يمكن أن تحقق طموحاتها ضمن شراكات أوسع، وتغيير لتحالفات سابقة لم تعد كافية لتلبية هذه الطموحات، وهو أمر يتضح من خلال خرائط التعاون والاتفاقات فى المجالات الاقتصادية والصناعية.
من هنا، فإن القمة العربية الصينية التى تعقد حاليا فى المملكة العربية السعودية - بحضور أكثر من 30 من رؤساء الدول وزعماء المنظمات الدولية - تمثل انعكاسا لشكل وحجم التحول فى العلاقات نحو شراكات عربية صينية، وكل من مصر، والسعودية، ودول الخليج، والدول العربية، لديها طموحات فى التنمية وتوطين التكنولوجيا، وبالتالى فهى تدعم آلية التعاون «العربى - الصينى»، وتدفع نحو تبنى آليات لضمان استدامة هذه العلاقات، فى إطار تعظيم المنفعة والمصالح المشتركة، وأيضا مواجهة التحديات التنموية وتعزيز التعاون بشكل عام بين دول الجنوب.
انعقاد القمة العربية الصينية يعد حدثا مهما، يعكس حجم التطور فى العلاقات «العربية - الصينية»، وأيضا الشراكة فى ضرورة مواجهة الأوضاع الدولية الراهنة، والأزمات التى تشير إلى اختلالات فى النظام الاقتصادى العالمى، سواء بعد كورونا، أو بسبب الحرب فى أوكرانيا، وضرورة تغيير الواقع الراهن بناء على ما تمتلكه كل دولة من إمكانيات وطموحات، حيث ترى الصين أن لديها فرصة لتوسيع شراكاتها وأسواق لمنتجاتها، بينما ترى الدول العربية أن هناك أهمية لبناء علاقاتها الاقتصادية بناء على حجم القوة، وليس فقط على قواعد قديمة تثبت أنها لا تلبى طموحاتها الاقتصادية والتجارية.
الصين بالطبع لديها طموحات للتعاون وتوسيع شراكاتها وفتح أسواق، والتوصل إلى اتفاقات طويلة المدى للطاقة والغاز، وتلعب الشركات الصينية دورا مهما فى العديد من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، وهناك استثمارات صينية مباشرة، وعقود البنية التحتية مع الشركات الصينية، لإنشاء الموانئ ومناطق التجارة الحرة.
بينما الدول العربية تطمح من هذا التعاون مع الصين إلى توسيع التعاون فى توطين التكنولوجيا الرقمية والطاقة المتجددة والسياحة والطيران، خاصة أن الصين تدخل بالجيل الخامس من تكنولوجيا الاتصالات، وبالتالى فإن التعاون «العربى - الصينى» يمكن أن يكون مجالا لتحقيق مصالح مشتركة، للصين والدول العربية، بجانب صناعات النقل، وصناعات السيارات الكهربائية.
مصر تنظر للتعاون «العربى - الصينى» على أنه يعزز الجهود الدولية الرامية إلى دفع عملية السلام العادل بالشرق الأوسط، وفق مقررات الأمم المتحدة، ودعم التبادل التجارى وتعزيز التعاون بين الطرفين فى إطار منظمة التجارة العالمية، وتبادل الخبرات فى الإدارة الخاصة بإنشاء وإدارة المناطق الحرة والاقتصادية، خاصة أن مصر لديها محور المنطقة الخاصة بقناة السويس، فى إطار التعاون والتكامل مع «مبادرة الحزام والطريق» الصينية، والتعاون فى مجالات: «الطاقة، والعلوم، والتكنولوجيا، والزراعة، والرى»، فى ظل الأزمة العالمية الحالية.
الرئيس الصينى «شى جى بينج» - فى لقائه مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، على هامش القمة العربية الصينية - «ثمّن الدور المصرى الرائد فى صون السلم والأمن والاستقرار فى المنطقة، بينما تحدث الرئيس السيسى عن تكامل المبادرة الصينية «الحزام والطريق»، مع جهود مصر التنموية، خاصة فيما يتعلق بتنمية محور قناة السويس، وتطوير البنية الأساسية بالطرق والموانئ البحرية والطاقة، بجانب تشجيع الشراكات مع الصين، والاستثمارات فى مجالات توطين التصنيع المشترك، ونقل التكنولوجيا الصينية.
كل هذه التطورات فى العلاقات «العربية - الصينية»، هى نتاج لتفاعلات متراكمة كَميًّا، على مدار عقود، مع وجود إمكانية لتلاقى المصالح التنموية العربية، مع «مبادرة الحزام والطريق» الصينية، التى تعالج «فجوة البنية التحتية»، وتقدم وعودا بتسريع النمو الاقتصادى عبر مناطق «آسيا، والمحيط الهادئ، وأفريقيا، ووسط وشرق أوروبا»، وبالتالى انضمت لها أغلب الدول العربية، وتأتى القمة «العربية - الصينية» لتمثل خطوة مهمة تجاه نظام أكثر تعاونا وشراكة، لضمان المصالح المشتركة العربية، والصينية.