الواقع والحقيقة يؤكدان أن تركيا أصبحت فى موقف لا تحسد عليه، عقب أعلان القوات المسلحة التركية الجمعة إنها سيطرت على السلطة في البلاد واعلان حظر التجوال وفرض الأحكام العرفية وتعليق العمل بالدستور من أجل حماية النظام الديمقراطي وحقوق الإنسان-حسب بيان صادر عن القوات المسلحة التركية-
تركيا التى كانت مركزًا للحكم العثماني حتى عام 1922، وفي سنة 1922، تم خلع آخر السلاطين محمد السادس، وألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة نهائيًا في العام 1924، بعد أن ألغي السلطنة في العام 1922.
يرصد "انفراد" بداية الغاء الخلافة العثمانية من قبل مصطفى كمال أتاتورك مروراَ بتولى 6 رؤساء الحكم حتى تولى رجب طيب أردوغان، ثم مؤخراَ الإنقلاب العسكرى .
مصطفى كمال أتاتورك وتبنى العلمانية بتركيا:
أتاتورك هو مؤسس الدولة التركية الحديثة، ففي أكتوبر عام 1923م أعلن أتاتورك إلغاء الخلافة وولادة الجمهورية التركية، وجعل من أنقرة عاصمة للدولة التركية بدلاً من إسطنبول التي كانت عاصمة الخلافة العثمانية، حيث بدأ أتاتورك عهدًا من تكريس العلمانية والتغريب بشكل كامل في تركيا.
وكان لأتاتورك العديد من التقاليد الغريبة حينها التى تمثلت فى منع الناس من ارتداء الطربوش والعمامة، ومنع المدارس الدينية وألغى المحاكمات الشرعية، وألغى استخدام الحروف العربية في الكتابة، واستبدلها بالحروف اللاتينية، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أنه أسس دولة قوية حديثة، يرى خصومه أنه قد قام بإزالة كل ما له صلة بالدين والتدين والهوية الإسلامية.
أسس أتاتورك أول حزب سياسي عام 1923م، وهو حزب الشعب الجمهوري، والذي ظل في سدة الحكم حتى بعد وفاة أتاتورك، فخلفه نائبه عصمت إينونو، الذي سار على نهج أتاتورك، فقام بتغيير الأذان إلى اللغة التركية، وأغلق المدارس الدينية، فكانت هذه السياسات هي أحد الأسباب التي ساهمت في تشكيل جبهات معارضة ضد حكم حزب الشعب الجمهوري.
برز أربعة نواب فى قيادة حزب الشعب الجمهوري، هم: عدنان مندريس وجلال بيار وفؤاد كوبرولو ورفيق قورالتان، وأعلنوا تشكيل الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندريس، والذي أطاح بحكم إينونو في انتخابات عام 1950م.
حكومة عدنان مندريس
تذوقت تركيا الحياة الديمقراطية في أول انتخابات أجريت عام 1946، فى الوقت الذى لم يستطع الحزب الديمقراطي أن يشارك إلا في 16 محافظة، فحصل على 62 مقعدًا مقابل 396 مقعدًا حصل عليها حزب الشعب الجمهوري في البرلمان، ثم جاءت انتخابات 1950م، وحصل الحزب الديمقراطي على 52.68% من الأصوات؛ ليفوز بـ 397 مقعدًا من مجموع 487.
وتولى الحكومة برئاسة عدنان مندريس، ثم انتخب البرلمان محمود جلال بايار رئيسًا للجمهورية التركية، الذي أعيد انتخابه عامي 1954م، و1957م، نجح مندريس فى اعادة الأذان إلى أصله باللغة العربية، وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس، وقام بإنشاء مراكز لتعليم القرآن، إلا أنه قد واجه بعض المشكلات في عهده نظرًا لسوء الحالة الاقتصادية.
إلا أن فى هذا العهد شهدت تركيا احتجاجت داخل الجيش وطلاب الجامعات تندد بحكومة مندريس وسياساته، واستمرت المظاهرات حتى إعلان القوات المسلحة وضع يدها على الحكم برئاسة الجنرال جمال جورسل، لتشهد تركيا أول انقلاب عسكري عام 1960م، ولم يكن الأخير، حيث قامت القيادات العسكرية بإلقاء القبض على رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس االجمهورية جلال بيار.
فى تلك الأثناء، بدأت القيادات العسكرية في مطاردة أتباع الحزب الديمقراطي، وحكم على بيار بالسجن مدى الحياة، وبالإعدام على مندريس ووزير خارجيته فطين رشدي ورلو ووزير ماليته حسن بولاتقان بتهمة قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية، وفي سبتمبر عام 1960م، أُعدم رئيس الوزراء عدنان مندريس.
حكومة سليمان ديميريل:
تمكنت القيادة العسكرية الانقلابية برئاسة جمال جورسل فى إخراج دستور يحمي وجودها في الحكم، وطرحته في استفتاء عام 1961م، ووافق الشعب عليه، ومن ثم تم إجراء انتخابات تشريعية عامة عام 1961، شكّل فيها حزب الشعب الجمهوري حكومة ائتلافية برئاسة عصمت إينونو، وفي انتخابات 1566، حصل حزب العدالة، والذي يعتبر امتدادًا للحزب الديمقراطي على أغلبية مقاعد البرلمان.
تولى بعدها ديميريل رئاسة الحكومة، ما أدى الى فوضى كبيرة من الحركات الشيوعية وقتالها مع القوميين، بلغت أقصاها عام 1970م، وبعد عام من الاحتجاجات أعلن قادة عسكريون أن تدهور الأوضاع في البلاد يجبرهم على وضع قبضتهم على السلطة، فقام ديميريل بتقديم استقالته، ومن ثم تولى الجيش.
انقلاب كنعان أوفرين
حصل حزب الشعب الجمهوري بزعامة بولنت أجاويد على أغلبية الأصوات في انتخابات عام 1973، وتشكلت حكومة ائتلافية برئاسة أجاويد بين حزب الشعب الجمهوري وحزب السلامة الوطني الذي أسسه نجم الدين أربكان، وفي انتخابات 1977 حصل أجاويد على أغلبية الأصوات أيضًا لكنه لم يتمكن من التفرد بالحكم، فشكل حكومة ائتلافية مع سليمان ديميريل.
فى تلك الأثناء، فقدت الحكومة الائتلافية سيطرتها على الأحداث، لتعود القوات المسلحة بانقلاب جديد عام 1980، لتعلن تسلمها قيادة البلاد برئاسة كنعان أوفرين، وإعلان حالة الطواريء وحل الحكومة والأحزاب السياسية.
فاز حزب الوطن الأم بزعامة تورغوط أوزال في انتخابات عام 1983، بأغلبية مكنته من رئاسة الحكومة، ثم رئاسة الجمهورية.
عهد تور غوط أوزال:
أوزال هو أول رئيس مدني يتولى منصب رئيس الجمهوية، وفي عهده أظهر تعاطفًا مع النشاطات الإسلامية، فضم في قياداته إسلاميين، وتوسعت في عهده المدارس الإسلامية، وقد عُرف بميوله الصوفية، إلا أنه لم ينفِ التزامه بالعلمانية، ولم يتصادم مع الجيش، فقضي عهدين في الحكومة ورئيس الجمهورية كنعان أوفرين، حتى وصل إلى رئاسة الجمهورية.
فاز حزب الطريق القويم بزعامة سليمان ديميريل بأغلبية مقاعد البرلمان في عام 1991، وحصل حزب الوطن الأم بالمركز الثاني، ثم حزب الشعب الديمقراطي الاشتركي، ثم حزب الرفاه الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان، وتشكلت حكومة ائتلافية برئاسة سليمان ديميرل مع حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي، وفي عام 1993، توفي تورغوط أوزال ليخلفه سليمان ديميريل رئيسًا للجمهورية.
سليمان ديميريل وحكومة نجم الدين أربكان:
حصل حزب الرفاه بزاعمة نجم الدين أربكان على أغلبية المقاعد في انتخابات 1995، وشكل حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم، لتشهد تركيا انقلابًا جديدًا من القيادات العسكرية.
أصدرت القيادات العسكرية مجموعة من القرارات طلبت من الحكومة فيها سدّ الطرق أمام الحركات والتيارات الدينية عام 1997، وهو ما أدى لسقوط حكومة أربكان وحل حزب الرفاه ثم حزب الفضيلة.
فضلاَ عن حظر الممارسة السياسية على أربكان وبعض الأعضاء البارزين في الحزب، وتم إعلان حالة الطوارئ، وإغلاق عدد كبير من مدارس تعليم القرآن، ومنعت المحجبات من دخول الجامعات.
حزب العدالة والتنمية:
في عام 2000، تولى أحمد نجدت سيزر رئاسة الجمهورية، وفي عام 2001، تم تأسيس حزب العدالة والتنمية بعد حل حزب الرفاه والفضيلة، وفي 2002، كانت الانتخابات البرلمانية التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان بأغلبية ساحقة مكنته من تشكيل الحكومة منفردًا.
ولكن أردوغان لم يتمكن من رئاسة الحكومة وقتها لأنه كان ممنوعًا من ممارسة السياسة، فتولى عبد الله غل رئاسة الحكومة، ليتم تعديل الدستور فيما بعد ليسمح بتولي أردوغان منصب رئيس الحكومة، وجاء حزب العدالة والتنمية مؤكدًا أنه لا يريد دولة دينية، لكنه يريد دولة ديمقراطية علمانية، تفصل بين الدين والدولة.
اختار حزب العدالة والتنمية غل ليكون مرشحه لرئاسة الجمهورية في عام 2007، لكن حزب الشعب الجمهوري قام بمقاطعة الانتخابات هو وبعض أحزاب المعارضة، وتم إبطال الجولة الأولي بدعوى أنها لم تجرَ بحضور أغلبية الثلثين، وفي الجولة الثانية أعلن غل سحب ترشيحه بسبب فشل عملية التصويت مجددًا، وفي الجولة الثالثة حصل غل على أكثر من نصف أصوات البرلمان، وانتخب رئيسًا للجمهورية.
رجب طيب أردوغان رئيسًا للجمهورية:
رجب طيب أردوغان هو أول رئيس للجمهورية يتم انتخابه من الشعب مباشرة، فقد كان اختيار رئيس الجمهورية يتم من خلال أغلبية أصوات البرلمان، حتى تم تعديل قانون الانتخاب ليسمح للشعب باختيار رئيسه مباشرة.
فقد فاز أردوغان بنسبة 52% من الأصوات، يليه أكمل الدين إحسان أوغلو بنحو 38%، ليعلن دخول تركيا مرحلة جديدة، يتعهد فيها بالمصالحة الداخلية، وبحماية الديمقراطية.