القمة العربية الصينية الأولى، هى نتاج لتفاعلات مستمرة على مدى عقود، ضمن إعادة بناء نظام عالمى جديد يتناسب مع تأثيرات القوة والنفوذ فى العالم.
على مدار العقود الأخيرة، يشهد العالم تحولات فى السياسة والاقتصاد، انعكاسا لثورات التكنولوجيا والاتصال، التى أدخلت تحولا فى الأنماط الاقتصادية التقليدية، وغيرت مفاهيم الربح والرأسمال، والتسويق والمنافسة، روسيا حاليا ليست هى نفسها فى منتصف التسعينيات، والصين تمتلك نفوذا اقتصاديا ظاهرا، بينما تغيرت مصالح أوروبا وتركيبة الاتحاد الأوروبى، وحتى داخل الاتحاد الأوروبى اليوم هناك انعكاس شديد للأزمة العالمية، والحرب تدفع بعض المحللين للإشارة إلى أن الولايات المتحدة هى الرابح من الأزمة على حساب أوروبا، وهذا لا يمنع من وجود ارتباط للمصالح الأوروبية الأمريكية.
التحولات الجارية منذ نهاية الحرب الباردة، ترتبط بالمصالح والمنافسات الاقتصادية والتجارية، وتضع الدول الكبرى فى حالة دفاع وهجوم متبادل، انتهى الصراع الأيديولوجى بين الشرق والغرب الأوروبى، وبقيت المصالح المعلقة وتشابكت بشكل يختلف عما كان قبل ثلاثة عقود فى استعادة لوضع يعود إلى ما قبل الحربين العالميتين، بل ربما بشكل مختلف، فى وقت تغيرت مفاهيم الاقتصاد والربح، واستطاعت شركات المعلومات والتسويق الإلكترونى أن تحقق أرباحا وثروات فى سنوات، أضعاف ما كان يحققه الاقتصاد التقليدى خلال عقود، ومنذ التسعينيات من القرن العشرين صعدت شركات عملاقة، وتخطت الكثير من التحالفات الكبرى، كما تضاعفت القدرة الاقتصادية للصين، بشكل يدفعها للبحث عن أسواق، وشراكات اقتصادية، فى كل العالم.
وربما تكون الحرب بين روسيا وأوكرانيا هى نتاج كيفى لتحولات كمية ضمن المواجهة بين روسيا والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة، حيث استمر الحال وسط القطب الأحادى، قبل أن تستعيد روسيا وجودها، وتتوسع الصين اقتصاديا لتحتل مساحة أكبر من حجم التجارة العالمية، والإنتاج فى مجالات التكنولوجيا والتصنيع، ثلاثة عقود شهدت تحولات فى القوة والنفوذ الاقتصادى، تضع العالم أمام متغيرات فى النظام الاقتصادى، تمثل الأزمة الحالية أحد أعراضه.
الواضح من استمرار الأزمة فى أوكرانيا، أن النظام العالمى الحالى أصبح عاجزا عن التدخل لوقف هذه الحرب، بالرغم من أنه مطلب عالمى، بما يعيد التذكير بفشل النظام الدولى ما بعد الحرب الأولى عن منع الحرب الثانية، وسقطت عصبة الأمم، وولدت الأمم المتحدة، التى تقف على مدى عقود عاجزة عن مواجهة ازدواجية المعايير، أو وقف الغزو والحرب وتقديم مبادرات يمكنها امتصاص أى توترات، أو منع الحرب فى أوكرانيا، وقبلها عجزت عن امتصاص توترات الصدام فى المنطقة العربية.
ولهذا فإن الدول العربية تسعى من خلال القمة العربية، أو القمة العربية الصينية، إلى خلق آليات يمكنها التدخل فى الأزمات، من خلال الانخراط فى تحالفات إقليمية، تسهل التعامل مع الأزمات فى ظل انشغال الدول والمنظمات الكبرى بصراعات ومنافسات ومصالح، تتقاطع مع المصالح الإقليمية والدولية والقارية.
العلاقات بين الدول العربية والصين ممتدة، ولها العديد من المسارات خلال السنوات الماضية، وبالتالى فإن نتائج القمة العربية الصينية تمثل خرائط جديدة للشراكات الاقتصادية الصينية العربية، وإعادة بناء العلاقات الاقتصادية بشكل أكثر فاعلية.
الصين شريك مهم للدول العربية سواء مصر أو السعودية أو الخليج، وأفريقيا، ولها مشروعات كثيرة وشراكات اقتصادية مع الدول العربية فى مشروعات البنية التحتية، والتكنولوجيا والصناعة، والنقل، وبالتالى يمكن أن تكون الشراكة الاستراتيجية العربية الصينية خدمة للمصالح المشتركة، وتخدم نوعا من الاستقرار الاقتصادى، بالطبع فإن الصين توصف بأنها «مصنع العالم»، وطبيعى أن يكون لها مطالب فيما يخص الطاقة، ومصر والدول العربية لديها طموحات ومطالب، فى توطين التكنولوجيا والصناعة، وتتلاقى فكرة الحزام والطريق الصينية، مع استراتيجية ممرات التنمية المصرية، فى منطقة القناة، والعاصمة الإدارية، والمدن الجديدة، ومشروعات النقل الطموحة، والتى تمثل أسسا لممرات تنموية، وتطمح نحو توطين هذه الصناعات، بينما الصين تقدم نفسها على أنها شريك بلا شروط مسبقة، وبالتالى يمكن أن تكون أكثر تعاونا من تجارب يثبت عجزها عن تلبية متطلبات التنمية العادلة، التى ترمى إليها الدولة المصرية، ويؤكد عليها دائما الرئيس عبدالفتاح السيسى.
كل هذا يجعل هناك فرصة لبناء شراكات عادلة، تعالج مشكلات واختلالات النظام العالمى الحالى، ضمن التعاون والشراكة وبعيدا عن الصدامات، خاصة أن الصين رغم منافستها للولايات المتحدة، فهى أيضا شريك مهم لأمريكا، بما يعنى أن المصالح تحكم هذه السياقات، وبالتالى فإن القمة العربية الصينية خطوة فى بناء المصالح، ضمن نظام عالمى معقد.