كان الرئيس جمال عبدالناصر آخر الملوك والرؤساء، الذين ذهبوا إلى العاصمة المغربية الرباط فى 20 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1969، لحضور مؤتمر القمة العربية الذى بدأت فعاليته فى مساء اليوم نفسه، وفقا لما تذكره الأهرام يوم 21 ديسمبر 1969.
قبل مغادرته القاهرة، اجتمع عبدالناصر مع العاهل السعودى الملك فيصل مرتين يوم الجمعة 19 ديسمبر، وأديا صلاة الجمعة بالأزهر، وبعدها اجتمع عبدالناصر مع ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، الذى وصل إلى القاهرة، وهو فى طريقه إلى الرباط، وقبل مغادرة عبدالناصر القاهرة، قرر تعيين أنور السادات نائبا له، وفقا للأهرام يوم 21 ديسمبر 1969، مؤكدة: «أقسم السادات اليمين أمام الرئيس صباح أمس قبل سفره إلى الرباط».
تذكر الأهرام، أن استقبال الرئيس فى الرباط كان شعبيا ورسميا، وأنه اصطحب معه فى الطائرة ياسر عرفات وخالد الحسن المسؤول السياسى لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان الحسن وعرفات يرتديان ملابس الفدائيين عند نزولهما من الطائرة، واستقبل الملك الرئيس عبدالناصر بالعناق عند سلم الطائرة، وتكشف الأهرام أن هذه أول مرة يلتقى فيها عرفات بالعاهل المغربى، وتقول: «نزل ياسر عرفات وراء الرئيس الذى قدمه للملك، وفتح الحسن ذراعه للقائد الفلسطينى فى أول لقاء بينهما».. تضيف: «لم يشترك عرفات فى استعراض الرئيس والملك للحرس ولا فى أوامر التحية للسلام الوطنى للبلدين، ولكن رافقهما بعد ذلك إلى استراحة المطار، حيث قدمهما الملك إلى كبار المستقبلين المغربيين».
يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى مقاله «الحسن الثانى- قرأ ماكيافيللى أميرا وطبق آراءه ملكا» بمجلة وجهات نظر، نوفمبر 1999، أن هذا المؤتمر كان لبحث مرحلة ساخنة فى الحرب مع إسرائيل، وكانت مدافع حرب الاستنزاف تدوى على جبهة السويس، وكان مشروع روجرز وزير الخارجية الأمريكية، باقتراح تسوية سلمية للأزمة، مجرد صياغات يجرى تداولها همسا فى أروقة القمة، لأن النقاط العامة فى المشروع وصلت إلى بعض العواصم العربية قبل انعقاد القمة، وإن لم يكن مشروع مكتمل البنود، وكانت هناك مناقشات فى الاجتماعات الثنائية حول الصياغات، وكان واضحا أن مصر لا تقبل بما عرفت عن المشروع، وإن لم تعلن بعد رفضها الرسمى له مؤثرة بانتظار مداولات القمة.
فى هذا الأثناء، يكشف هيكل أنه التقى الملك الحسن فى القصر المعد للمؤتمر، ويذكر أن الملك أشار إلى أوراق على مكتبه، وقال له: «أظنك اطلعت على النقاط المهمة فى مشروع روجرز، وهو مطروح علينا الآن، وقد أحسست من فخامة الرئيس عبدالناصر أنه لا يريد مناقشة عامة حوله فى المؤتمر، ولا يريد حتى مشاورات غير رسمية، فهو لا يريد مناقشة علنية تقيد قدرته على المناورة والحركة فى أى اتجاه يشاء بعد أن يقيس الوضع العربى من خلال القمة، وهو أيضا لا يريد أن يسمع المزايدات الرخيصة التى نسمعها من البعض، وأنت تعرف من أقصد».
يضيف هيكل: «ثم لخص الملك: فخامة الرئيس عبدالناصر لا يريد مناقشة يظهر فيها الميل إلى الفرض، لأن هذا يأخذ الأمر من يده، ولا يريد مناقشة يظهر فيها الميل إلى القبول لأن هذا يضعف موقفه.. كل ذلك أفهمه، ولكن ماذا بعد؟».. يتذكر هيكل: «قطب الملك ملامحه وهو يقول: لا بد من حل، والتفكير فى حل عسكرى استحالة مطلقة، إسرائيل أقوى منا، ثم إن الأمريكان وراءها دون قيد أو شرط، ولقد حضرت بنفسك «يقصد هيكل» بعض الجلسات، ورأيت من هم سعداء بورطتكم فى حرب 1967، ولا أظنكم تستطيعون الاعتماد على مساعداتهم».
يذكر هيكل، أن الملك سكت مرة أخرى يحاول انتقاء كلماته، ثم استطرد على مهل إلى ما ملخصه: «إنكم لا تحسنون استخدام ما لديكم من أرصدة فى صراع يهم المسلمين والعرب جميعا، وأنا لا أريد أن أعرض عليكم شيئا، ولكن أريد أن تدرسوا.. أنتم لم تدرسوا المغرب، لم تعرفوا شيئا عن يهود المغرب، لم تتابعوا بالقدر الكافى مواقع التأثير فى إسرائيل، هل تعرف أن لى حزبا سياسيا يكاد يكون أكبر الأحزاب هناك؟ يهود المغرب عمود أساسى فى كل بناء سياسى فى إسرائيل، ويهود المغرب جميعا يعتبروننى ملكهم الشرعى، لأن تجربتهم فى المغرب اختلفت عنها فى أى بلد عربى بسبب ظروف معينة، ساسة إسرائيل كلهم يحسبون حسابا لحركتنا فى قلب المجتمع الإسرائيلى، ومن الغريب أن ساسة العرب لا يعرفون».
يضيف هيكل: «أحس الملك أنه أبلغ رسالته بأشد ما يكون كثافة ونفاذا، ثم عاد يسأل بما مؤداه أن «ما ذكره الآن زاوية قد تكون من أهم الزوايا فى تكييف المرحلة المقبلة من الصراع العربى الإسرائيلى، لأن السلاح لن يحقق هدفا».. واستطرد الملك يسألنى إذا كان ما سمعته منه يفتح مجالا لحركة سياسية من نوع أكثر جسارة وخيالا من كل ما حدث حتى الآن، وما إذا كان فخامة الرئيس عبدالناصر مستعدا لسماع ما عنده».