بعد سنوات من النداءات والاجتماعات والتبرعات، التى قادها رموز المجتمع المصرى بتنويعاته، افتتح الخديو عباس حلمى الثانى والأمير أحمد فؤاد الجامعة الأهلية فى 21 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1908، وفقا للدكتور يونان لبيب رزق فى كتابه «فؤاد الأول، المعلوم والمجهول».. مضيفا: «فى الصباح الباكر اصطف تلاميذ مدرسة أغا خليل والحسينية فى عابدين فى ساحة السراى وأمامهم أعلامهم وأساتذتهم، وفى العاشرة والنصف وخمس دقائق وصل الخديو وأجريت مراسم الاستقبال الفخيمة، ووقف البرنس فؤاد باشا فتلا خطابه، تلا بعده الخديو النطق الكريم، ثم ألقيت ثلاث خطب أخرى لكل من عبدالخالق ثروت باشا، وأحمد بك زكى، والمسيو بونفيلة المدرس الفرنسى، وبدأ فى اليوم التالى إلقاء الدروس فى الجامعة العتيدة يقودها البرنس المعروف».
يذكر «رزق» أن نشأة الجامعة جاءت بعد مبادرة شعبية لم يكن للحكومة فضل فيها، بل على العكس فقد عرقلت بعض دوائرها، خاصة دار المعتمد البريطانى فى عهد اللورد كرومر، الفكرة بكل ما أوتيت من حيل، ويضيف «رزق» أن لجنة الجامعة التى تصدت لهذا المشروع، اختارت الأمير أحمد فؤاد رئيسا لها، وأن مؤسسيها قرروا أن تسير على الطابع العلمانى.
يوضح «رزق»، أن جريدة الأهرام كتبت عن ذلك فى أكثر من مناسبة، أهمها ما جاء فى عددها يوم 2 مايو 1908، تصف فيه هؤلاء بأنهم عقلاء الأمة «الذين يسعون لجعل الجامعة جامعة للعلم، وجامعة لعناصرنا المتفرقة، فلا اليهودى فيها يهودى فقط، ولا المسيحى فيها مسيحى فقط، ولا المسلم فيها مسلم فقط، بل على مذاهبهم وأديانهم وضمائرهم ولكنهم كلهم إخوة لتذكية النفوس وتعليم الأمة وبث نور العلم والعرفان، وتوحيد روابط الإخاء وإشراب النفوس روح العدالة والحرية والإخاء والمساواة، تلك الروح التى جعلت أوروبا سيدة الأكوان، وصار الشرق لخلوه منها على ما فيه من عظمة وخير ونعمة عبدا لتلك السيدة، وإذا تمنى القبطى أن يكون شقيق المسلم والمسلم شقيقا له، فبالجامعة وحدها يكونون لأنه ليس أقوى من روابط العلم».
يذكر الدكتور رؤوف عباس فى كتابه «تاريخ جامعة القاهرة»، أنه فى 20 مايو 1908 صدقت الجمعية العمومية للمكتتبين على قانون الجامعة، وتقدم حسين رشدى باشا والمسيو «لوزينا بك» عضو اللجنة الفنية للجامعة بالأوراق الرسمية إلى نظارة الداخلية لطلب اعتراف الحكومة بالجامعة، باعتبارها من المنافع العامة، وبذلك أصبح للجامعة وجود قانونى، فتم اختيار مجلس إدارتها بمعرفة اللجنة التحضيرية فى 24 مايو 1908 من 15 عضوا حسبما جاء بقانون الجامعة».
يضيف رؤوف عباس: كان أول مجلس للجامعة مكونا من الأمير أحمد فؤاد رئيسا، حسين رشدى باشا، وإبراهيم نجيب باشا وكيلين، أحمد زكى بك سكرتيرا، حسن سعيد بك أمينا للصندوق، يعقوب أرتين باشا، الدكتور محمد علوى باشا، عبدالخالق ثروت باشا، مرقص حنا أفندى، مسيو ماسبيرو، يوسف صديق بك، على أبوالفتوح بك، مسيو أوزينا بك، على ذوالفقار بك «أعضاء».
أكد «عباس»، أن مجلس الجامعة قام باستئجار الدور الأول من سراى جانكليس بمبلغ 350 جنيها فى السنة لمدة سنة واحدة، لتتخذه مقرا لها بعدما عجزت عن الحصول على مقر مؤقت من الحكومة، وتم تقسيم الطلبة المزمع قبولهم إلى قسمين، طلبة منتسبون من خريجى المدارس العالية والخصوصية والأزهر، وغيرهم ممن يلتحق بالدراسة بنية الاستمرار على حضور درس واحد فأكثر، للحصول على شهادة أو لقب علمى، وطلبة مستمعون متطوعون ممن يطلبون ذلك ويدفعون الرسم المقرر عنها.
وأعلنت الجامعة أنها ستمنح من يستحق من طلبتها شهادة تسمى «شهادة الدروس العالية»، ويشترط للحصول عليها أن يكون الطالب منتسبا، وأن يكون قد حضر دروسا ثلاثة من أساتذتها على الأقل، واشترك فى التمارين العلمية أو قدم بحثا، مما يوحى بأنه لم يستقر الرأى على قواعد ثابتة لمنح الدرجات العلمية، خاصة أنه لم يكن هناك اعتراف من جانب الحكومة ولا تعد مؤهلا للتوظيف، فهى أقرب ما تكون إلى الدراسات الحرة، وحددت رسوم الدراسة للطالب المنتسب بمائة وعشرين قرشا فى السنة، وضوعفت الرسوم بالنسبة للطالب المستمع المتطوع، وظل رسم الاستماع للمحاضرة الواحدة خمسة قروش، ورسم الدخول عشرين قرشا.
يذكر «عباس»، أن حضور دروس الجامعة أقبل عليه خليط من الطلاب، فعدد تلاميذ المدارس 258 طالبا، وموظفى الحكومة 243 طالبا، والمعلمين بالمدارس 69 طالبا، وطلاب الأزهر 42 طالبا، ورجال القضاء 19 طالبا، وصحفيين 15 طالبا، وتجار 18 طالبا، وعدد محدود من كبار موظفى الدولة، وضباط الجيش والبحرية وأصحاب المهن الحرة، وهذه الأعداد تمثل طلبة الانتساب والاستماع معا، ويرى «عباس»، أن الطلاب جاءوا من أبناء الطبقة الوسطى بمختلف شرائحها الاجتماعية، وهى الطبقة صاحبة المصلحة فى إقامة التعليم الجامعى، التى تبنت المطالبة به منذ نهاية القرن الماضى «التاسع عشر».