فى عز مجده المهنى، كان الكاتب الصحفى محمد التابعى، فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى «يخطب وده كبار رجال الدولة»، بوصف الكاتب الصحفى حافظ محمود، فى مقال بمجلة الهلال، فبراير 1977، وفى 24 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1976، كانت وفاته التى أنهت سنوات معاناته مع المرض، وعذابات شخصية عاشها فى مرحلة غروبه التى تلت توهجه «وعبقريته التى أدخلت فى تاريخ الصحافة مدرسة جديدة اسمها محمد التابعى»، حسبما يذكر حافظ محمود.
فى تقريرها عنه بالصفحة الأخيرة يوم 25 ديسمبر 1976، تذكر «الأهرام»، أن محمد التابعى محمد وهبة، ولد فى السنبلاوين بمحافظة الدقهلية عام 1895، وأمضى الدراسة الابتدائية بمدرسة المنصورة، ثم حصل على البكالوريا من مدرسة العباسية الثانوية، وعمل موظفا بمصلحة التموين عام 1914 إلى أن تخرج فى مدرسة الحقوق عام 1924، وكان الأول على دفعته وعين فى نفس العام موظفا بمجلس النواب لكنه استقال عام 1928 بعد أن استهوته الصحافة التى بدأها وهو طالب بالحقوق، واشترك فى ترجمة بعض الروايات المسرحية التى مثلتها فرقة يوسف وهبى، وعمل ناقدا مسرحيا فى الأهرام»»، فى وقت كان توجد فيه بالقاهرة 9 فرق مسرحية و11 مجلة مسرحية.
عمل رئيسا لتحرير «روزاليوسف» عام 1928، وخلال رئاسته لتحريرها أصبحت من أوسع الصحف الأسبوعية انتشارا، وصادرتها الحكومة 30 مرة خلال هذه الفترة، وحكم عليه بالسجن مرتين، الأولى 4 شهور لاتهامه بإهانة وزير الحقانية، والثانية 6 شهور بتهمة «العيب فى ولى العهد» عام 1929، وفى 1934 أنشأ مجلة «آخر ساعة»، وباعها فى 1946 لمصطفى وعلى أمين ليتفرغ للكتابة فى صحف دار «أخبار اليوم» ومجلاتها.
يعتبره الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل من أساتذته الكبار، وأستاذا لغيره من نفس الجيل الذى خطا إلى عالم الصحافة العربية مع مطالع الأربعينيات من القرن العشرين، ويذكر «هيكل» فى مقدمته لواحد من أشهر كتب «التابعى»، «من أسرار الساسة والسياسة، وأحمد حسنين باشا»: «اختلف مجال الكتابة الصحفية بعده عما كان قبله»، موضحا: ليس المقصود أن الكتابة الصحفية قبل «التابعى» كانت أقل وزنا أو أدنى قيمة، فكان هناك قبل وغير «التابعى» كُتاب لهم شأن ومقام، لكن «التابعى» أضاف شيئا آخر، إذ صاغ أسلوبا مختلفا فى التناول الصحفى، وهذا الاختلاف الذى أحدثه هو نعومة الكلمة، وانسياب الكلام، أى أن هناك إضافتين تحسبان للتابعى، إحداهما فى اللفظ، والثانية فى السياق، وبالنسبة للإضافة الأولى، فإنه يبدو وكأن الألفاظ كانت على نحو ما فى حالة عشق مع قلم التابعى، فما إن يضع سن القلم على صفحة الورق حتى تذوب المعانى والصور لينة سائلة على السطور، وبالنسبة للسياق، فإن أى قارئ لكتابات «التابعى» سوف تنكشف له قاعدة سمعته يكررها علينا كثيرا، مؤداها: «أن القصة فى التفاصيل».
يراه الشاعر والكاتب الصحفى كامل الشناوى «منقذ الصحافة»، و«الجد الأكبر للصحافة الحديثة»، يضيف: «أستاذنا محمد التابعى استطاع بموهبة وذكاء أن ينقذ فن الصحافة من السجع والمحسنات اللفظية وأدوات التجميل، ويخلصها من طنين المبالغة، واصطناع البلاغة، وبهذا التجديد الجرىء استطاع أن يتواصل مع القارئ المصرى الجديد، أى المواطن».
عاش «التابعى» الحياة بطولها وعرضها، وبوصف حافظ محمود «كانت عبقريته تقربه من الرجال، وكانت آدميته تقربه من النساء، لكنه كان صحفيا يسخر كل علاقاته لحساب فنه الصحفى»، ويذكر «هيكل»: «كان ظاهرة مستجدة على العلاقة بين الصحفى والأمير، كتب عن الملك فاروق وعن الملكة نازلى وعن أحمد حسنين باشا، وغيرهم من موقع المعايشة، وفى بعض المشاهد فإنه هو نفسه كان جزءا من الصورة».
ويذكر هو فى مقدمته لكتاب «من أسرار الساسة والسياسة»: «اشتغلت بالصحافة ثلاثين عاما، وعرفت فيها عشرات وعشرات من الزعماء والساسة، وربطتنى ببعضهم أواصر الصداقة والثقة، وبوحى هذه الصداقة والثقة أفضى إلىّ بعضهم بأسرار كثيرة، وكشف أمامى بعضهم عن مكنون صدره بل وعن خفايا ضعفه، فهل أروى كل ما سمعت أو بعض ما سمعت؟ كان طرحه لهذا السؤال ردا على رفضه لمطالب بكتابة مذكراته، مضيفا: «من ذا الذى يستطيع دائما أن يقول الحق، كل الحق ولا شىء غير الحق؟ وإذا نشرت مذكراتى فهل أقول فيها كل ما أعرف، وكل ما سمعت، وكل ما رأيت؟».
وبالرغم من أنه كان طرفا فى الحكايات التى تضمنتها كتبه خاصة «أسمهان تروى قصتها»، و«من أسرار الساسة والسياسة وأحمد حسنين باشا» و«بعض من عرفت»، و«نساء فى حياتى»، إلا انه يؤكد أن هناك الكثير والكثير لم يقله، كالذى عرفه من ملك الأفغان الأسبق «أمان الله» عن زوجته الملكة ثريا، والملك فاروق «الطاغية الذى لا أستطيع أن أكتب وأروى عنه كل ما أعرف لأننى، إنسان»، وفؤاد سراج الدين ومكرم عبيد، ومصطفى النحاس، وأحمد حسنين باشا، وغيرهم.