منذ اللحظة الأولى للوصول إلى العراق، بعد سنوات من الزيارة الأولى، هناك انطباعات واضحة بأن الشعب العراقى، بعد سنوات صعبة يبدأ فى بناء تجربته السياسية والتنموية، بقوة، وتنوع ونضوج ورغبة صادقة فى بناء العراق بقدراته الضخمة وشعبه المتحضر، الذى انتصر على كل محاولات التقسيم والإشعال، وهزم داعش، أحد أكثر التنظيمات الإرهابية عنفا ودموية، وعاد ليبنى العلاقة بين المصريين والعراقيين التى تمتد لعدة عقود، وفى شوارع بغداد وكل مدينة عراقية، سوف تسمع أغانى أم كلثوم وفيروز وناظم الغزالى، مثلما تسمعها فى القاهرة، وتسمع قصصا عن المصريين فى العراق والعراقيين فى مصر.
الشوارع فى العراق حية، وآمنة، شركات ومطاعم، وحركة إعمار، وخلال وجودنا مع الوفد الإعلامى المصرى، كان حديث المسؤولين رئيس الوزراء محمد شياع السودانى، أو رئيس البرلمان محمد الحلبوسى، أن الشعب العراقى هو الهدف من التجربة السياسية، وأن التنمية وإعادة الإعمار واستغلال ثروات العراق هدفها تلبية مطالب ومصالح الشعب العراقى، والشباب، وخلق فرص عمل، وأن العراق نجح بفضل التوحد والنضوج، أن يعبر مرحلة صعبة، وينتصر على محاولات شق الصف أو إشعال الصراع العرقى أو الطائفى أو المذهبى، وأن تنظيم داعش وحد العراقيين وفشل هو أو أى أطراف خارجية فى شق الصف، وفى النهاية انتصر العراقيون وقرروا إنجاز تجربتهم السياسية والاقتصادية لإعادة بناء العراق.
زيارتنا مع الوفد الإعلامى المصرى للعراق تأتى بعد أيام من «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة»، الذى انعقدت دورته الثانية فى البحر الميت، بمشاركة واسعة من الزعماء العرب والجامعة العربية ودول جوار العراق، ومجلس التعاون الخليجى، وفرنسا والاتحاد الأوروبى، عقدت القمة الأولى فى أغسطس 2021، وأصدرت توصيات أكدت دعم الدول المشاركة لجهود تعزيز مؤسسات الدولة لحفظ وحدة واستقرار العراق، ومساعيه لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية، ويعكس نجاح العراق فى بناء استقرار بعد سنوات من الصراع والارتباك.
رسميا، هناك تقدير كبير من المسؤولين العراقيين، لمصر والرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى لم يتوقف عن تأكيد دعم مصر لاستقرار العراق وإعادته لمحيطه العربى والإقليمى، وأكد موقف مصر الداعم لوحدة العراق، ومساندته لجهود استعادة الأمن والاستقرار به، والحرص على تعزيز دوره القومى العربى، ودعم الشعب العراقى فى كل المجالات، على المستوى الثنائى، أو فى إطار آلية التعاون الثلاثى مع المملكة الأردنية، دعما للتعاون، والعمل العربى المشترك، فى إطار سياسة مصر القائمة على ترسيخ وحدة الصف بهدف تحقيق الاستقرار والتقدم لجميع الأشقاء، وهناك تقدير عراقى من كل الأطراف الرسمية للتجربة المصرية فى التنمية والبناء، فى المدن الجديدة، والطرق، وتوطين الصناعة.
هناك تشابه واضح بين العراق ومصر، كلاهما دولة ذات تاريخ حضارى قديم، ولها تأثيرها الإقليمى، مصر ترى العراق القوى جزءا من توازن إقليمى مطلوب، والعراقيون يرون ذلك، ثم إن عودة العراق إلى دوره الإقليمى يمكن أن يساهم فى توازن إقليمى، ويساهم فى مساعدة الدول العربية التى تواجه صراعات أو مشكلات سياسية.
هناك تاريخ طويل للمصريين فى العراق منذ ثمانينيات القرن العشرين حتى ما بعد الغزو، ملايين المصريين عاشوا وعملوا بكل محافظات العراق، وبعد الغزو آلاف العراقيين عاشوا فى مصر، وفى كلتا الحالتين كان الأمر أكبر من إقامة، لكن علاقة إنسانية واجتماعية، ما زال هناك مصريون فى العراق، بأعداد أقل، لكن هناك رغبة فى أن تتسع الشراكة والتعاون مع مصر، من خلال شركات مصرية لها تجربة مهمة فى البناء.
هذه العلاقات الشعبية تسهل تقوية العلاقات الدبلوماسية والسياسية، خاصة مع سعى مصر والدولتين الشقيقتين العراق والأردن إلى بناء تعاون وتنسيق سياسى إقليمى فاعل، وأيضا تعاون اقتصادى وتجارى يعود على الدول الثلاث، ويمثل التنسيق الثلاثى المصرى العراقى الأردنى، قاعدة لتأسيس موقف عربى يمكن أن يلعب دورا إقليميا وعربيا فاعلا، مع استعادة العراق لدوره بما يتناسب مع موقعه وتاريخه وقدراته.
هناك شركات مصرية كبرى، منها المقاولون العرب، أنجزت مشروعات طرق وجسور، واتجاه لتوسيع هذا التعاون، العراق يفتح أبوابه للاستثمار، ولديه قدرات بشرية وموارد يحتاج لتوظيفها بشكل اقتصادى يلبى مصالح الشعب، وهو أمر يفتح باب التعاون مع مصر بشكل أكبر مما هو الآن، خاصة أن هناك تاريخا من التعاون بين مصر والعراق، وفرصا كثيرة لمشروعات مشتركة تعود بالنفع على البلدين.
زيارة الوفد الصحفى الإعلامى للعراق ولقاءاتنا مع المسؤولين والإعلاميين، فرصة للتعرف على عراق ينهض، وشعب كبير، يطمح فى البناء والتنمية ومسح فترة صعبة، نجح فيها أن ينتصر على الصعاب ويقف على طريق التنمية، ورصيد شعبى يسمح بالكثير من الطموحات.