ودعت الأوساط الثقافية الفرنسية والعربية أحد مفكريها المستشرقين الفرنسي "اندريه ميكيل" عن عمر 93 عاما، الذي كرّس حياته لخدمة اللغة العربية وآدابها منذ أن قرأ الآيات القرآنية واكتشف فيها طاقة إيجابية ورمزية لا نظير لها، ولد المستشرق الفرنسي في جنوب فرنسا عام 1929 وأتم دراسته بمدرسة المعلمين العليا ودرس العربية على يد المستشرق الشهير بلاشير وعمل في دمشق وبيروت بالمعهد الفرنسي للدراسات العربية ثم عمل في إثيوبيا فترة عامين في أواسط الخمسينيات.
تعلق المستشرف الفرنسي منذ سنواته المبكرة باللغة العربية ودرسها في كل من القاهرة، ودمشق، وتبحّر المستعرب الراحل في اللغة العربية، وكرّس حياته وأبحاثه للغوص في مجال ترجمة الشعر العربي إلى اللغة الفرنسية، وقدم من خلال كتبه المتنوعة صورة شاملة عن الإسلام، وإسهامه الحضاري وأثره في الحضارة الإنسانية، لإيمانه العميق بأن المسلمين مهما بلغت اختلافاتهم المذهبية، متحدون في الجوهر.
بدأ شغفه بالعالم العربي عام 1946 على إثر رحلة قام بها إلى شمال إفريقيا التحق بعدها بمدرسة المعلمين في باريس وتخصص في اللغة والثقافة العربية، تنقل المستشرف الفرنسي بين القاهرة ودمشق وبيروتن وقدم مجموعة كبيرة من الكتب والدراسات والترجمات منها كتاب "الجغرافيا البشرية للعالم الإسلامي حتى القرن الحادي عشر" بأجزائه الأربعة، كتاب "الليالي" الذي تناول فيه قصّة الصداقة القوية التي جمعته مع المفكّر والكاتب الجزائري جمال الدين بن شيخ، وترجم إلى الفرنسية ألف ليل وليلة، كليلة ودمنة، ديوان مجنون ليلى، إضافة إلى دراساته حول الأدب العربي القديم والتاريخ والجغرافيا العربية.
عمل المستشرق الفرنسي في وزارة الخارجية كمستشار ثقافي لفرنسا في مصر عام 1961 وتولى تدريس الأدب العربي في الجامعات الفرنسية منذ سنة 1968، شغل منصب مدير معهد لغات الهند والشرق وشمال أفريقيا وحضاراتها ثم انتخب استاذا لكرسي الأدب العربي في جامعة باريس "الكولج دي فرنس" عام 1975، ثم مديرا للمكتبة الوطنية في باريس.
ويعتبر ميكيل آخر المفكرين الفرنسيين القلائل الذي يكرمه "كرسي معهد العالم العربي الثقافي بعد رحلة 40 عاماً من النشر أنتجتْ أربعين مؤلَفا حول الإسلام وثقافتِه وله رواياتٌ وقصائد، كما ألـَّف كتباً مهمة، منها قصصُ الحبِ في الأدبِ العربي، الحبُ عند العرب وترجم ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وغيرها من روائعِ الأدبِ العربي.
أصدر المستشرق الفرنسي مجموعة من الكتب المهمة أبرزها: "العالم والبلدان: دراسات في الجغرافية البشرية عند العرب" و" موسوعة جغرافية دار الإسلام البشرية" وكتاب المقدسي أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ومختارات من الشعر العربي كما ترجم ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة لابن المقفع وأشعار قيس بن الملوح وبدر شاكر السياب إلى جانب عشرات الدراسات والمقالات حول الأدب العربي والإسلام في المجلات والدوريات الفرنسية.
وساهم ميكيل بالتعريف بالآداب العربية وقام بترجمة العديد منها لتغيير النظرة السلبية السائدة، بالإضافة إلى أبحاثه الأكاديمية. فقد كتب عن أدب العشق واهتم بشكل خاص بمجنون ليلى، ترجم أشعاره وحلل شخصيته كظاهرة، وقارنها بما يقابلها في الأدب الفرنسي.
ساهم المستشرق الفرنسي بنشر الثقافة العربية القديمة وهو عاشق لها ولمجنون ليلى حتى أصبح طلابه يسمونه بعاشق ليلى. كما تحدث عن ميكيل طلابه وزملاؤه الذين رافقوه طوال السنوات الماضية ووصفوه بأنه من أكبر المختصين والمهتمين عالمياً بالأدب العربي، بل من أكبر المستشرقين في هذا الزمان.