بما أننا فى بداية عام جديد، وفى ظل انتشار التوقعات، سواء بالتحليل السياسى، أو التنجيم الفلكى، فإن الصورة فيما يتعلق بالأزمات والصراعات فى العالم تبقى غائمة، خاصة أن هذه الصراعات سواء الإقليمية أو الدولية، لها أسباب وأطراف وتشابكات تجعلها قابلة للاستمرار، ما دام يتمسك كل طرف بموقفه، يضاف إلى ذلك أن كل الصراعات القائمة تتواصل بسبب التدخلات الخارجية والارتباطات مع قوى دولية أو إقليمية، وهو ما يجعل الحل دائما فى أيد خارجية وليس فى يد أطراف الأزمة.
فى الواقع أن الشعوب ربما تكون هى العنصر الذى يدفع الثمن فى كل أزمة، إقليميًا بقيت وجهة نظر مصر هى تقليل الصراع والدفع نحو المسارات السياسية، وأنه عاجلا أو آجلا فإن الأطراف سوف تجلس معا، لكن هذا المسار يتطلب إبعاد التدخلات الخارجية التى تلعب دورا فى إشعال أى صراع، وتعرقل التوصل إلى حلول، وربما تكون الأوضاع مناسبة أكثر بعد انتهاء خطر داعش والتنظيمات الإرهابية، وحتى لا تتحول بؤر هذه التنظيمات إلى خلايا وتهديدات أخرى.
فى ليبيا يتطلع الليبيون أن يكون العام الجديد فرصة لإنهاء أى تقاطعات والانتقال إلى مسار سياسى يقود إلى أن يسيطر الليبيون على مواردهم وشؤونهم، وأن تصل الأطراف المختلفة إلى توافق واتفاق على الخطوط الرئيسية لمسار سياسى، مع إبعاد المرتزقة والقوات الخارجية، وهو المسار الذى سوف يحدث مهما طال الصراع، ويفترض أن يتوافق عليه الفرقاء، وصولا إلى حل كلما كان أسرع كان أفضل.
نفس الحال فى الوضع بسوريا، حيث يظل التوصل إلى مسار سياسى مع أهمية وجود توافق إقليمى ودولى على الحل، واليمن أيضا يواجه نفس الخيار، وكل هذه المسارات تتطلب موقفًا عربيًا وإقليميًا قادرًا على التوصل إلى مسارات سياسية، وهناك بالفعل مساع إقليمية للتوصل إلى مسارات سياسية.
وربما يكون العراق هو الأقرب إلى الصعود من خلال الصيغة السياسية التى تم التوافق عليها، ورغبة الشعب العراقى فى الوصول إلى الاستقرار، فهناك حكومة وبرلمان ورئاسة، ورغبة لدى كل الأطراف فى استمرار هذا الوضع، للاتجاه نحو عملية إعادة إعمار وتنمية، وهى صيغة تتوافق مع مطالب الشعب العراقى ومصالحه، وتتطلب استمرارية يمكن من خلالها استعادة قوة الاقتصاد، الذى يمثل قاطرة البناء.
ومن الإقليمى إلى الدولى، تظل التدخلات والتقاطعات الخارجية عاملًا مشتركًا فى استمرار الصراعات من دون آفاق للحل.. فى فبراير المقبل تكمل الحرب فى أوكرانيا العام الأول، ويتحول إلى أحد الصراعات المزمنة، وتواصل دول العالم دفع ثمن باهظ لـ«صراع نفوذ»، ويبدو أنه لا أفق قريب للحل، وواضح أن هذا الصراع لن ينتهى لصالح أى طرف بالضربة القاضية، فى البداية كان كل معسكر يعلن أنه انتصر على الأرض، ويصر على تطبيق مطالبه ووجهة نظره، لكن حتى الآن لا يبدو أن هناك نتائج، بل إن النتائج فى مثل هذه الصراعات الطويلة تظهر بعد سنوات من نهاية الصراع.
وحتى شبح الصدام النووى تراجع مؤقتًا، لكن الصدام الاقتصادى وانعكاساته تتواصل وتؤثر على اقتصاد العالم، وتنعكس فى صورة تضخم وارتفاعات أسعار، تصل إلى كل دول العالم بدرجات متفاوتة. وإذا كانت الأزمات تولد من بعضها، فإن وقف الحرب والتوصل إلى استقرار سياسى ولو مؤقتًا، يظل حلمًا لشعوب العالم، ما تزال المنظمات الدولية والدول الكبرى، بل والنظام العالمى الحالى عاجزين عن وقفه أو مواجهته، وبالتالى فإن هذا النظام العالمى ربما يكون بحاجة إلى إعادة بناء بشكل يجعله قادرًا على معالجة مشكلاته، التى لا تتوقف فقط على الصراعات، وإنما على أخطار تهدد البشر، أخطرها التغيرات المناخية، فقد أصبح من الصعب استمرار الصراعات والأخطار، بينما النظام الدولى يقف عاجزًا.