تحول المعارض التركى فتح الله جولن من صديق لأردوغان إلى معارض شرس لحزبه، وتميز جولن والحزب الحاكم "العدالة والتنمية" بطابعهما الإسلامى المحافظ، وجمعهما هدف واحد وهو إضعاف النخبة العلمانية فى البلاد والحد من نفوذ الجيش فى الحياة السياسية.
تطور علاقة جولن بحزب العدالة والتنمية
وبدأ جولن فى التحول إلى معارض شرس للحزب الحاكم "العدالة والتنمية" بعد أن رأى الحزب بدأ يتخلى عن مبادئه ويتحول إلى إقامة دولة "أردوغانية"، وفسر تطور علاقته بالحزب الحاكم فى مقولته الشهيرة "إن حزب العدالة والتنمية التركى، وعد بدفع المسيرة الديمقراطية إلى الأمام، وبناء دولة القانون حين أتى أول مرة إلى الحكم، إلا أنه بعد الانتخابات البرلمانية سنة 2011، غيَّر مجرى سيره نحو إقامة "دولة الرجل الواحد" فابتعد عن ذاته".. هكذا تحول من التعاون فى البداية، إلى العداء فى النهاية.
وأضاف أن أنصار الداعية التركى فتح الله كولن كانوا حلفاء سياسيون فى السابق للحزب الحاكم، وصار يدور بين هذين المعسكرين "معسكر أنصار جولن وحزب العدالة والتنمية" صراعا على السلطة.
وهناك أسباب عديدة للخلافات الحالية القائمة بين حركة كولن وحكومة حزب العدالة والتنمية المحافظ بزعامة رجب طيب إردوغان إذ عملت هذه الحركة على توسيع نفوذها فى أجهزة الدولة وربما أكثر بكثير مما تسمح لها به الحكومة.
بداية صراع جولن مع أردوغان
اتضح الصراع بين حركة جولن والحكومة فى عام 2010 خلال المواقف المختلفة من قضية سفينة مرمرة، التى حاولت كسر الحصار الإسرائيلى المفروض على قطاع غزة، وكانت هذه السفينة تركية والمنظمة الخيرية التى قادت أسطول الحرية إلى قطاع غزة مقربة من حزب العدالة والتنمية وأدان فتح الله جولن نشاط أسطول الحرية، وقال إنَّه كان من المفروض إبان التحضير لهذا الأسطول والحصول على موافقة إسرائيل من أجل نقل المساعدات إلى غزة.
وبدأ الخلاف بين جولن وأردوغان يظهر علنيا بعد أن نجح أردوغان فى تحييد المؤسسة العسكرية التركية التى ظلت على مدار التاريخ الحامية للدستور العلمانى للدولة والرادع للأحزاب الدينية. وهو النجاح الذى لم يكن ليحدث من دون مساعدة جماعة جولن التى تملك قاعدة عريضة من البيروقراطيين الذين نجحوا فى اختراق أجهزة الدولة فى تركيا وسهلوا بالتالى من عملية إقصاء المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية، لذا معارضوه اعتبروه خطرًا حقيقيًّا على العلمانية التركية، واتهموه بمحاولة تقويض العلمانية التركية بـ"أسلمة" الممارسات الاجتماعية للأتراك.
جولن يندد بقمع متظاهرى تقسيم
فى عام 2012 ندد جولن بوصف أردوغان لمتظاهرى ميدان تقسيم بوسط مدينة اسطنبول بالفوضويين بعد قيام المتظاهرين بغلق أكثر الميادين حيوية فى تركيا، وأهمها بالنسبة لقطاع السياحة، وحديثه عن مؤامرة دولية لإدخال تركيا فى حالة من الفوضى والفراغ.
وطلب المدعى العام التركى إنزال عقوبة الإعدام بحقّه بسبب أشرطة تتضمن محاضرات له وأحاديث، ينتقد فيها النظام العلمانى التركى، واتهمته السلطة بالسعى لتغيير نظام الحكم العلمانى إلى الإسلامى والسعى للاستيلاء على السلطة، إلاّ أنه نفى التهم التى وجهت إليه، ووصف الحملة بأنها افتراءات كاذبة، ومكائد يدبرها له أعداؤه.
وأصدرت فى ديسمبر 2014 محكمة تركية أمر اعتقاله بتهمة السعى للإطاحة بأردوغان، وقامت السلطات بتطهير الجهاز الحكومى ممن يشتبه بأنهم مؤيدون لجولن، وعزل الآلاف من ضباط الشرطة ومئات القضاة، كما صادقت المحكمة الإدارية التركية على إلغاء جواز سفر الشيخ فتح الله جولن بحجة أنه تم منحه جواز سفر لا ينسجم مع القانون التركى، وتصف الحكومة التركية جماعة جولن بـ "الكيان الموازى" وتتهمها بالتغلغل داخل سلكى القضاء والشرطة وتزعم أن عناصر تابعة لجماعته تقوم باستغلال مناصبها للتنصت غير المشروع على المواطنين، كما تتهمها بالوقوف وراء حملة الاعتقالات التى شهدتها تركيا فى 17 ديسمبر 2013 بدعوى مكافحة الفساد والتى طالت أبناء عدد من الوزراء ورجال أعمال ومدير أحد البنوك الحكومية بنك "خلق" كما تتهمها بالوقوف وراء عمليات فبركة تسجيلات صوتية لمسئولين بحكومة العدالة والتنمية.
من هو جولن؟
فتح الله جولن هو باحث ومفكر وكاتب وشاعر وناشط تعليمى وداعية للسلام وواعظ تركى مسلم، ولد فى عائلة متواضعة فى مدينة (أرضروم) فى تركيا فى عام 1941 ونشأ فى بيئة روحانية. أكمل جولن تعليمه ودراسته فى معاهد متطورة وحديثة ودرس العلوم الإسلامية، وحصل على شهادة تؤهله للتدريس، تدرب جولن على يد معلمين صوفيين، حيث تعلم مبادئ الروحانية الإسلامية والإنسانية، ولعب والداه دورا كبيرا فى تعليمه المبكر. والده (رامز أفندى) هو الذى غرس فى جولن الشاب محبة التعلم ومحبة النبى وأصحابه، ووالدته علمته قراءة الكتب الدينية وجسدت له الحياة الروحية والمثابرة. أصبح جولن حافظا للقرآن كله عن ظهر قلب، فى سن الـ12، وبدأ بإلقاء المواعظ فى المساجد المحلية عندما كان فى 14 من عمره .
تم تعيين جولن عام 1959 كواعظ فى مسجد تاريخى فى مدينة أدرنة، وكان نشطا اجتماعيا ولكن على الصعيد الشخصى كان متقشفا، وكانت فرصة له لتعميق معرفته فى التقاليد الإسلامية ولدراسة العلوم الاجتماعية والطبيعية والكلاسيكيات الفلسفية والأدبية الشرقية والغربية على حد سواء. ومن بين الشخصيات التاريخية التى كان لها أكبر أثر على حياة جولن الفكرية نذكر أبو حنيفة، الغزالى، الإمام ربانى، جلال الدين الرومى، يونس إمرى، والنورسى، وتعد قراءته واسعة الآفاق هى التى هيأته لتفسيراته الشاملة المعروفة.
ونشر جولن أكثر من 60 كتابا باللغة التركية ، وأدرج فى مجلة "فورينك بوليسى" كأفضل مفكر لشهر مايو 2008، وقد نجح فى حشد مئات الآلاف من الناس لغرض خدمة المجتمع من خلال التوحيد حول القيم الإنسانية العالية. ورغم مكانته بين الناس، إلا أن جولن لا يعتبر نفسه إلا واحدا من المتطوعين فى حركة المجتمع المدنى ولم يعتبر نفسه قائدا.
وبدأ جمهور جولن يتسع فى أزمير من خلال خطبه، واعتقل بعد الانقلاب الثانى فى عام 1970، واحتجز لمدة ستة أشهر دون تهمة حتى أفرج عنه بشرط أنه لا يلقى محاضرات وخطب على العامة، وبين عامى 1972 و1975، شغل منصب واعظ فى عدة مدن فى منطقة بحر إيجه وبحر مرمرة.
وفى عام 1999 سافر "خوجة أفندى" كما يحب أن يسميه تلامذته ومحبوه إلى الولايات المتحدة لتلقى الرعاية الطبية بسبب مرضه وخضع لعملية جراحية فى القلب عام 2004، وبعد ذلك أوصى الأطباء أن يتجنب الإجهاد والإرهاق، لهذا السبب اختار أن يعيش بعيدا عن الأجواء السياسية المشحونة فى تركيا، ومنح الإقامة الدائمة من قبل الحكومة الأمريكية فى عام 2000، ويعيش حاليا مع مجموعة من الطلاب والأطباء فى منتجع فى ولاية بنسلفانيا.