جدد تصوير مشهد لشاب وفتاة على جسر، ونشره بشكل موسع فى منصات ومواقع التواصل، النقاش حول الحدود الفاصلة بين المسموح والممنوع، فى ظل تطور كبير لأدوات الاتصال والتواصل، والدور الذى تلعبه الكاميرا فى الموبايلات، وبعيدا عن التحقيقات فى القضية، ووصولها للنيابة العامة، لكن تبقى تداعيات ما جرى أضعاف ما يمكن أن يمثله التحقيق، النيابة العامة فى بيانها وجهت أولياء الأمور، لكنها وجهت إلى خطورة ترويج مثل هذه المقاطع وضررها على المجتمع، باعتبار النشر جريمة يعاقب عليها القانون.
لكن السؤال هو أنه بعيدا عن الجدل حول الواقعة، فما زال هناك من يرى أن النشر والفرجة على هذه الأنواع من الفيديوهات لا يمثل جريمة، وهؤلاء غالبا ربما لم يقعوا أو أى من دوائرهم فى مثل هذا الموقف، بل إنهم يرون النشر لا يمثل خطأ، ويدينون مرتكبى الفعل، من دون النظر إلى انعكاسات وتأثيرات هذا الفضح على الفتاة والشاب وأسرتيهما، بالذات الفتاة، بل واحتمالات أن يتطور الأمر ورد الفعل إلى ما هو أكثر وبما يمثل مأساة، ونكرر أننا ربما لا نكون بحاجة إلى مزيد من القوانين، فما هو متاح يكفى، لكن مجتمع السوشيال ميديا نفسه هل هو قادر على التعامل مع مثل هذه السلوكيات، ومواجهتها، وإدراك الفواصل بين الفرجة وبين التشهير والمشاركة فى فضح وتجريس الأسر، أو تدمير شامل لمستقبل فتاة وأسرتها.
قبل أشهر تم نشر مشاهد رقص على مركب خاص لرحلة مدرسية، وقبلها واقعة سيدة أجنبية، انتهيا بالتحقيق، حيث التقط لها أحدهم فيديو وهى فى بلكونة منزلها، ونشره بزعم الدفاع عن القيم، بينما هو شارك فى ضرر أكبر.
الكاميرا والموبايل وشبكات التواصل، ثالوث يصنع سيولة معلوماتية ويضاعف من صعوبة التحكم فى النشر أو السيطرة عليه، الصور أو الفيديوهات ما إن تغادر مكانها إلى الشبكة تصبح مشاعا للتبادل والمشاركة والتعليقات والتفاعل، ويمكن فى حالة التشهير أن تتجاوز قوة رصاصة، ثم إن كثيرا من جرائم التشهير تحدث بسبب صورة أو فيديو فى احتفال أو مناسبة عامة أو مهرجان، أو رحلة قد تكون طريقا للنجومية والظهور، أو تتحول إلى رصاصة فى القلب، أو أداة ابتزاز ونصب واغتيال نفسى ومعنوى.
وينقسم الناس بين إدانة أو دفاع، بينما الكاميرا ليست طرفا فى المسؤولية، لأنها أداة محايدة ليست شريرة ولا طيبة، ليست لها عقل، والمسؤولية على من يستخدمها، ونيته فيما يفعل، ولا نظن أن الجدل حول الخصوصية وكيفية الحفاظ عليها سوف يتوقف، فى زمن التدفق المعلوماتى، والكاميرات فى كل يد.
وفى الحادث الأخير هناك مفارقة، فالطبيعى أن ما تلتقطه كاميرات عامة فى الشوارع لا يثير الجدل، لكن الأمر يتفجر عند التعامل مع احتفال فى مكان عام، أو ناد، أو مركب، يجد طريقه للنشر من طرف ثالث، متلصص ينشر خصوصيات الآخرين، وما يجرى فى مكان عام يصعب فى زمن «الكاميرات الذكية» أن يظل خاصا، وهى جرائم قد يفلت فاعلوها أو عقوبتها أقل من نتائجها مثلما جرى مع فتاة الغربية، ولهذا يظل الجدل مستمرا، ومتنوعا تنوع المجتمع الافتراضى الذى هو انعكاس أكثر تركيزا للعالم الطبيعى.
عموما هى ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، أن تصبح الكاميرا فاعلا فى الأحداث، وتتسبب فى مشكلات وقضايا، تعيد الجدل حول الخيط الفاصل بين العمومية والخصوصية، ومنذ دخلت الكاميرا على الموبايل تغير الكثير من المفاهيم حول الخاص والعام، ومساحة الحرية المتاحة للفرد ما دام خارج حدود منزله، وحتى داخل المساحة المكشوفة من المنزل.
الشاهد أننا أمام وقائع جدلية، تثيرها عمليات النشر، والشير، يبررها البعض بتبريرات أخلاقية، ويرفضها البعض لضررها المضاعف، لكنها تبقى شاهدا على عصر، وتفرض على المجتمعات أن تغير من سلوكيات قديمة، وقد وضعت بعض المجتمعات قواعد للفصل بين الخاص والعام، وتفرض بعض القيود لحماية الخصوصية، لكن مع هذا تستمر هذه الأحداث لتشير إلى أننا فى عصر مختلف له قواعده ومفرداته.