علي الكشوطي يكتب:"بالطو" كوميديا ذكية ودراما عميقة بلغة بسيطة..توظيف الخروج من المنطقة الآمنة ومواجهة تحديات سوق العمل والتغلب على صعوبات الحياة بسيناريو رشيق يعكس وعى WATCH IT بطبيعة جمهورها بعد "تحق

ما يخرج من القلب يصل بصدق، هذه هي المقولة التي تنطبق على مسلسل "بالطو" والذي يكمن نجاحه ورد الفعل الذي حققه بين شرائح كثيرة من المجتمع في بساطة وعفوية العمل، الذي اعتمد على فكرة بسيطة طازجة حقيقية، تناولها صناع العمل بلغة سهلة موظفة بشكل رشيق في سيناريو ذكي تناول أعمق وأصعب ما يواجه الشباب من تحديات بطريقة تفجر الضحك دون فذلكة أو إيحاءات ليست في مكانها. الخروج من المنطقة الآمنة ومواجهة تحديات سوق العمل والتغلب على صعوبات الحياة، كلها مشاكل تؤرق الشباب ممن يجدون أنفسهم بعيدا عن الأهل والصحبة الآمنة التي نشأ فيها، لا صديق يهون ولا قريب يشارك في حمل الهم، ولا أب أو أم يطبطبان، حال كثير من الشباب سواء المغتربين للدراسة أو للعمل سواء داخل مصر ما بين المحافظات أو خارجها. أتذكر كثيرا من المواقف الكوميدية التي تعرضت لها في بداية مشواري الصحفي والإقامة في القاهرة بعيدا عن محافظتي الإسكندرية، مواقف جميعها تتشابه بشكل كبير مع المواقف التي يتعرض لها عاطف ويجسده "عصام عمر"، جميعها تتعلق بالخوف من المستقبل وفي أحيان كثيرة الخوف من الناس، مواقف مؤرقة تتعلق بفرق الثقافات في التعامل وغيرها الكثير من الأمور التي تواجه الشباب مع مختلف خلفياتهم الثقافية وجغرافية ممن يجدون أنفسهم لسبب أو لآخر مضطرون للانتقال من محافظاتهم إلى محافظات أخرى، وهو ما جعل الكثير من الشباب يجدون أنفسهم في شخصية دكتور عاطف الشاب الذي ترك القاهرة ليتولى مسئولية وحدة صحية في كفر الشيخ، تلك المحافظة التي تختلف عاداتها وتقاليدها وأفكار سكانها وطبيعتهم عنه بالكامل فيصادف مواقف وحياة ليس كتلك الحياة التي سبق وعاشها وتختلف كل الاختلاف عن توقعاته التي تحطمت على أعتاب الحياة الحقيقية في أرض الواقع. ما زاد من جرعات الضحك في العمل هو أن النقلة التي انتقل لها الطبيب الشاب، كانت من القاهرة إلى مركز طرشوخ الليف في مطوبس بكفر الشيخ، وبالتالي منح مؤلف العمل أحمد عاطف فياض صاحب "بالطو وفانلة وتاب"، مساحة كبيرة لخلق كوميديا راقية ناتجة عن اختلاف الثقافات بين القاهرة ومركز طرشوخ، وهو اختيار ذكي منح مخرج المسلسل عمر المهندس مساحة أو "قماشة واسعة" كما يحب وصفها صناع السينما والمسلسلات، ليبدع بشكل كبير في طريقة الإخراج بسرد بليغ للأحداث وتسلسلها، مستخدما المشاهد الخارجية في نقل صورة لريف مصر البديع يكسر به حاجز حصر الأحداث داخل مركز الصحة، والحقيقة أن مسلسل "بالطو" كشف عن مخرج واعد واعي بالتفاصيل وبتوظيف الممثلين بشكل جيد، حساس تجاه اللقطة الحلوة فهو بكل تأكيد مكسب للصناعة ورغم أنه حفيد الأستاذ فؤاد المهندس، لكنه أثبت أن موهبته فطرية بالوراثة ويستحق الفرصة عن جدارة تلك الفرصة التي أكدت احقيته. مسلسل "بالطو" يجمع الكثير من عناصر التوازن فالاعتماد الأكبر على شباب واعد وموهوب يمنح مساحة يستحقها، إلى جانب الاستعانة بخبرات تمثيلية كبير مثل محمد محمود وعارفة عن الرسول وضيوف الشرف لتكون الكفة متوازنة ما بين الشباب والخبرات، إضافة إلى عناصر التميز في الموسيقى لمحمد أبو ذكري والتصوير لشريف جلال والمونتاج لكمال الملاخ. وأصبح لمنصة WATCH IT نمط مختلف في الإنتاج بعد تولى نشوى جاد رئاسة مجلس الإدارة، حيث يعكس مسلسل "بالطو" مدى وعى المنصة بطبيعة جمهورها وجمهور المنصات والشرائح العمرية المستهدفة من خلال المنصة سواء من خلال بالطو أو من قبله مسلسل "تحقيق" و" ريفو" والذي يصور منه جزء ثاني حاليا، أو بمسلسل "إتزان" والذي وجهه لشريحة أكبر قليلا من الشرائح العمرية التي تم استهدافها من خلال "تحقيق" و" ريفو" إلا أنه وصل أيضا لشريحة كبيرة من جمهور الشباب ممن جذبتهم تلك الدراما النفسية بكل تحولاتها.