وصل أنور السادات، رئيس مجلس الأمة، إلى مطار «دالاس» بواشنطن يوم 22 فبراير 1966 فكان فى استقباله 250 شخصا بينهم مسؤولون أمريكيون ودبلوماسيون ومصريون مقيمون فى أمريكا، يتقدمهم مساعد وزير الخارجية الأمريكية، والسفير المصرى فى أمريكا الدكتور مصطفى كامل، حسبما تذكر الأهرام يوم 24 فبراير 1966.
كان الاهتمام بالزيارة لأنها الأولى لمسؤول مصرى كبير فى ظل سوء العلاقات المصرية الأمريكية وقتئذ، وفى 23 فبراير، مثل هذا اليوم، 1966، التقى السادات بالرئيس الأمريكى جونسون، وأبلغه رسالة شفهية من الرئيس جمال عبدالناصر تضمنت الرغبة فى تنمية العلاقات بين أمريكا ومصر، وفقا لما تذكره الأهرام يوم 24 فبراير، 1966، وتضيف أن حديث السادات مع جونسون ركز على المبادئ العامة، أما التفاصيل فستكون مع «دين راسك» وزير الخارجية الأمريكية.
كان محمد عبدالسلام الزيات أمينا عاما لمجلس الأمة وقتئذ، وكان الطرف الفاعل فى هذه الزيارة ويكشف أسرارها فى مذكراته «السادات، الحقيقة والقناع»، قائلا إن فكرة الزيارة بدأت من خلال تردد «المستر رايت» المستشار العمالى للسفارة الأمريكية عليه فى المجلس، وكان أمريكيا أسود ينتقد سياسة بلاده فى الشرق الأوسط، ويذكر الزيات أن «رايت» عرض عليه زيارة أمريكا، لكن الزيات طور الفكرة إلى دعوة وفد من أعضاء مجلس الأمة، فحصل «رايت» على موافقة وزارة الخارجية الأمريكية.
عرض الزيات، الفكرة على السادات، فرحب بها ترحيبا كبيرا، وطلب منه إعداد مذكرة لرفعها إلى الرئيس عبدالناصر، ويذكر الزيات أنه بعد أيام أطلعه السادات على موافقة عبدالناصر بتأشيرة تقول: لا مانع إذا كان الزيات مطمئنا إلى معاملة الوفد المعاملة المناسبة.. وبعد أن أطلعه على التأشيرة قال له: «لقد أصبحت أنت المسؤول»، وبدأ الزيات يتابع إجراءات الزيارة، وتشكيل الوفد.
يكشف الزيات أنه بعد تشكيل الوفد طلب منه السادات أن يضيف اسم «طناشى راند ويلو» عضو مجلس الأمة وهو يونانى متمصر، وكان مديرا لشركة جناكليس، وبرر السادات طلبه بأن «راند ويلو» يريد زيارة ابنته التى تدرس فى أمريكا، ويقول الزيات إن طلب السادات بهذه الإضافة لم يلفت نظره وقتها، لكنها لفتت نظره بعد ذلك بسنوات وبالتحديد فى سنة 1971 وبعد أن تولى السادات رئاسة الجمهورية، حيث اتهم «راند ويلو» بالتجسس على المطارات المصرية والطائرات السوفيتية والخبراء السوفييت بمنطقة «جناكليس» لصالح المخابرات الأمريكية، وصدر أمر بالقبض عليه وعلى «سيفين هيريس» سكرتيرة قسم الفيزا بالسفارة الأمريكية، وكانت الاتصالات بالمخابرات الأمريكية تجرى عن طريقها، وانتحر «راند» فى سجنه ورحلت «سيفين»، وأغلق ملف القضية بأوامر من السادات.
يكشف «الزيات»، أنه بعد أن أخطر السفارة الأمريكية بأسماء أعضاء الوفد وتم الاتفاق على موعد السفر، طلب منه السادات أن يتصل بالسفير الأمريكى لسفر السيدة حرمه «جيهان» معه، ويذكر: «طبيعى أن يأخذ هذا الموضوع وقتا لأن أساس الدعوة أن يكون المدعو ممن يشغلون مركزا حكوميا، ولم تكن السيدة جيهان فى ذلك الحين فى مثل هذا المركز، وتمت الموافقة على سفرها.
يضيف: «اهتم الرئيس عبدالناصر بسفر هذا الوفد، وقرر أن يسافر مترجمه الخاص «سليم رزق الله» ليكون إلى جانب السادات، ورأيت من باب الاطمئنان أن أسبق الوفد فى السفر إلى واشنطن لاستكمال الترتيبات اللازمة مع السفير المصرى ومع المختصين بوزارة الخارجية الأمريكية، وتقابلت فى اليوم التالى لوصولى مع المستر «باركر» رئيس القسم المصرى فى وزارة الخارجية الأمريكية، وكان شابا أنيقا مثقفا، وعلمت بعد ذلك أن زوجته كانت من إحدى الأسر الأمريكية الكبيرة ودفعت به إلى مناصب السلك الدبلوماسى، وعاوننى «باركر» إلى أقصى حدود المعاونة، وجرت بيننا مناقشات مطولة حول الأوضاع فى مصر والشرق الأوسط وحول العلاقات المصرية الأمريكية».
يذكر «الزيات» أنه كان يعتقد أن «باركر» سيكون هو المرافق للسادات أثناء الزيارة، لكن فجأة حل محله «مايكل ستيرنر».. يعلق: «رأيت أن أشير إلى مايكل ستيرنر» لأنه سيكون له دور فيما بعد، إلى جانب دوره فى هذه الزيارة، فقد أصبح منذ سنة 1971 قاسما مشتركا فى كل الاتصالات الأمريكية التى جرت مع السادات منذ بداية عهده كرئيس للجمهورية، مع وليام روجرز «وزير الخارجية» وسيسكو «مساعد وزير الخارجية» وكيسنجر «مستشار الأمن القومى قبل أن يصبح وزيرا للخارجية» و«بيرجس» عندما كان مشرفا على المصالح الأمريكية فى مصر، قبل أن يعيد السادات العلاقات الدبلوماسية بين مصر وأمريكا.. يشير الزيات إلى أن «ستيرنر» عمل فى أول السلم الدبلوماسى بالقاهرة من 1961 إلى 1964 أى لمدة سنتين أوثلاث، وأصبح أثناء الزيارة مقربا ومحببا إلى السادات حتى أخذ يردد أنه أصبح صديقا للرجل الثانى فى مصر.
يواصل الزيات، ذكرياته عن هذه الزيارة ومنها مقابلة جونسون مع السادات، فماذا قال عنها؟، وماذا قال السادات عنها فى مذكراته «البحث عن الذات»؟