منذ اللحظة الأولى للأزمة العالمية وانعكاساتها على الأسعار والاقتصاد، تحدث تغيرات فى الأسعار وارتفاعات بشكل كبير يؤثر على المستهلك بشكل عام، ومن بين السلع التى تأثرت، القمح والزيوت والفراخ واللحوم، والتى ارتفعت أسعارها بشكل كبير يتجاوز بالفعل قدرات المواطن، وهذا الارتفاع فى جانب منه انعكاس للأزمة العالمية وارتفاع أسعار الأعلاف والمركزات، المستوردة، وبسبب تأخر الأعلاف- بسبب تعثر سلاسل النقل - تأخرت دورة إنتاج الدجاج المحلى، وارتفعت الأسعار ووصلت إلى مستويات متجاوزة.
وكان الحل فى الاستيراد بكميات تعالج النقص، لحين استعادة دورة إنتاج المزارع فى الداخل، ومع أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف، وخروج العديد من أصحاب مزارع الدواجن من دائرة الإنتاج، حدث نقص فى المعروض، مع ارتفاع الطلب، فارتفعت الأسعار وظهرت شكاوى المستهلكين من ارتفاع أسعار الدجاج، ومنتجاته، بشكل تجاوز قدرات الأغلبية، ما دفع الحكومة للتدخل واستيراد كميات من الدواجن البرازيلى ذات الجودة العالية وطرحها بمنافذ المجمعات الاستهلاكية و«معارض أهلا رمضان» بسعر 65 جنيها للكيلو، لحين استعادة دورات الإنتاج المحلى.
وخلال ارتفاع الأسعار كان المواطنون يتساءلون عن دور الحكومة فى ضبط الأسعار، وعندما تدخلت لمعالجة العرض مقابل الطلب، انطلقت منصات التنغيص، لتبدأ فى إطلاق بوستات متطابقة عن أن الفراخ البرازيلى تسبب الأمراض، وهو ما نفته الجهات المسؤولة، وقالت إن الدجاج المستورد يخضع لعمليات فحص واختبار، ومع تجارب المستهلكين ماتت شائعة الفراخ المضرة، فعادت نغمة جديدة أن الاستيراد يضرب الصناعة المحلية ويقضى عليها، وهو أمر سبق وظهر أثناء أزمة مشابهة عام 2016، عندما انخفضت أسعار الدواجن عالميا وارتفعت محليا، بمعدلات تتجاوز حجم الارتفاع فى سعر العلف والمستلزمات، وجرى حديث عن استيراد كميات كبيرة لموازنة السوق، وصدر بيان عن مصلحة الجمارك أكد إعفاء معظم المكونات التى تدخل بصفة مباشرة فى إنتاج أعلاف الدواجن مثل «الذرة، فول الصويا، الإنزيمات، الإضافات التى تحتوى على فيتامينات، السورجوم»، لأنها تتعلق بواحدة من أهم مصادر الاقتصاد والدخل، فضلا عن توفير البروتين للمواطن وفرص العمل، وهو نفس ما جرى خلال الأشهر الأخيرة، حيث تعثرت بعض المزارع، واختل العرض والطلب وكان من الضرورى موازنة السوق بالاستيراد، وهو ما أدى إلى انخفاض أسعار الدواجن محليا، مع توقعات بهبوط آخر مع اكتمال دورة الإنتاج فى المزارع.
القصة هنا متكررة، وترتبط بضبط السوق، مع استمرار الدعم للصناعة المحلية، ومواجهة بعض الأطراف التى تتلاعب فى السعر، وتعطل قوانين العرض والطلب، وهو أمر يحدث مع الزيوت، والأرز والمكرونة وباقى السلع، التى ارتفعت أسعارها، انعكاسا للأزمة العالمية، مع وجود مراكز تتلاعب أو تمارس الاحتكار، وتحرص الدولة ممثلة فى وزارة التموين على استيراد كميات كبيرة من زيت الطعام بالتوازى مع شراء المنتج المحلى، بشكل مستمر لطرحه على بطاقات التموين، وأيضا فى المنافذ التابعة للوزارة بأسعار مخفضة تصل لـ30% ويتم طرح زيت الطعام على بطاقات التموين بسعر مدعم بـ25 جنيها لأكثر من 64 مليون مواطن يستفيدون من منظومة السلع التموينية، كما وجه الرئيس بالتوسع فى زراعة المحاصيل الزيتية لزيادة معدلات إنتاج زيت الطعام المحلى وسد فجوة الاستيراد من الخارج.
ومع ارتفاع سعر الأرز على مدار الأسابيع الماضية، حيث تجاوز سعر الكيلو فى الأسواق 20 و22 جنيها، رغم أن مصر لديها اكتفاء ذاتى من الأرز المحلى، واتجه بعض التجار لتعمد حجب طرح الأرز فى الأسواق، تدخلت الدولة ممثلة فى وزارة التموين والتجارة الداخلية لاستيراد الأرز من الخارج لزيادة العرض، وإحداث توازن فى الأسعار، وبمجرد تعاقد وزارة التموين على شراء 50 ألف طن أرز مستورد، تراجعت أسعار الأرز بمعدل 1000 جنيه للطن.
الشاهد أن المواطن يطالب الدولة بضبط السوق، وما يتم من آليات هدفه توازن السعر، مع الحفاظ على المنتج المحلى.
اللافت للنظر أن هناك منطقا فى التعامل مع الأزمة وانعكاساتها، باستخدام آليات السوق، والتى تكشف عن وجود مبالغة فى الأسعار أن يكون سعر الدجاج المستورد بعد التربية والذبح والتغليف والكشف والنقل أقل من المحلى فهو أمر يثير تساؤلات، ويكشف عن بؤر للتلاعب، يعالجها ضبط العرض والطلب.
وبعد تراجع شائعات تاريخ الصلاحية أو جودة الدجاج عادت نغمة أن سعر الدجاج المستورد من مصادره أقل كثيرا من سعره الذى يباع به، وهو أمر يتناقض مع الترويج لضرب الصناعة المحلية، والمشترك فى كل الادعاءات ومنصات التنغيص، أنهم يسألون عن قوانين العرض والطلب، ويشكون من الأسعار، فإذا تدخلت الحكومة يزعمون الدفاع عن مصالح الناس، وفى كلتا الحالتين هدفهم تنغيص حياة الناس وممارسة الدعاية السوداء والهبد، بينما مصلحة المواطن فى الحصول على سلعة بجودة عالمية، وبسعر مناسب.