فى ظل تحولات دولية لم تتوقف وتظهر انعكاساتها كل يوم، تحرص مصر على تنويع علاقاتها الخارجية، وفتح مجالات التعاون، وبناء علاقات اقتصادية وتجارية تخلق بدائل ومسارات فى ظل استقطاب وتأثيرات اقتصادية متعددة، وتتقارب مع الدول التى تسعى إلى السلام فى العالم وترمى للتعاون من أجل مواجهة تداعيات التحولات العالمية، وانعكاسات الحرب على الاقتصاد والطاقة، وهى تحولات تتطلب بناء علاقات متعددة، تفتح الباب لبدائل اقتصادية وتجارية وصناعية.
وعلى مدار شهور لم تتوقف مصر عن توسيع علاقاتها مع دول العالم شرقا وغربا، وآخرها استقبال الرئيس عبدالفتاح السيسى، لرئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، والوفد المرافق له، وعقد الرئيس جلسة مباحثات منفردة مع رئيس وزراء المجر، تلتها جلسة موسعة ضمت وفدى البلدين، حيث تم تناول أبرز مجالات التعاون، ومناقشة الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المتبادل، والأزمات الدولية والإقليمية التى يمر بها العالم، لا سيما فى الشرق الأوسط وأوروبا، حيث يوجد تقارب كبير فى وجهات النظر بين البلدين فى هذا الصدد، من حيث ضرورة التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة الروسية - الأوكرانية، فى أقرب فرصة، تحقيقًا لمصالح الشعوب وإنهاءً للمعاناة الإنسانية، وخفض العواقب الاقتصادية التى ترتبت على استمرار تلك الأزمة، والتى جاءت فى أعقاب تأثيرات جائحة كورونا.
رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان عبر عن وجود تحولات دولية تمثل تحديات، حيث تدور الحرب فى أوكرانيا بالقرب من المجر، قائلا «مثل هذه الأزمات تفتح باب التكتلات التى تسبب لنا خسارة، لدينا فرصة كبيرة بالتعاون مع مصر لمنع هذه التكتلات».
وعبر أوربان، عن امتنان بلاده لما تقوم به مصر فى التصدى للهجرة غير الشرعية وأن أوروبا يجب أن تكون ممتنة لمصر لما تقوم به فى هذا المجال، واعتبر مصر «خط دفاع لأوروبا فى شمال أفريقيا والقلعة الأقوى ولولا جهود مصر والسياسة التى تمارسها ستكون أوروبا غارقة فى مشكلاتها، معتبرًا أن استقرار مصر مرتبط بشكل وثيق جدا بأمن أوروبا».
تركزت مباحثات الرئيس السيسى مع رئيس وزراء المجر على بحث سبل مواصلة تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والتوافق على الفائدة الكبيرة التى تعود على المستثمرين المجريين من الاستثمار بمصر خاصة فى المنطقة الاقتصادية بقناة السويس، ومواصلة تكوين الروابط بين الشركات المصرية ونظيرتها المجرية، فضلًا عن تبادل الخبرات فى الزراعة وإدارة المياه والرى، والتعاون لمواجهة أزمتى الغذاء والطاقة العالميتين والعمل على زيادة عدد السائحين بين البلدين.
سبق وزار رئيس وزراء المجر مصر قبل 7 سنوات، وقال الرئيس السيسى، إن أوربان دائمًا كان يعبر عن فهم حقيقى للأوضاع فى المنطقة، كصوت حقيقى لمصر فى الاتحاد الأوروبى، وهو أمر يستحق التقدير، واعتبر الرئيس السيسى العلاقات بين مصر والمجر نموذجا يحتذى به فى عالم يمر حاليًا بصعوبات وتحديات غير مسبوقة، تظهر فيها أهمية التفاهم المشترك والاحترام المتبادل بين مصر والمجر، فضلًا عن التوافق السياسى إزاء الكثير من القضايا الدولية.
وتم التوقيع على إعلان مشترك حول الشراكة الاستراتيجية بين مصر والمجر، والتوقيع على عدد من مذكرات التفاهم بين مصر والمجر فى قطاعات التعليم، والتدريب فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والشباب والرياضة، وزيادة عدد المنح الدراسية الجامعية المجرية.
وتمتد العلاقة بين مصر والمجر إلى 95 عاما، وهناك تعاون مستمر فى مجالات النقل والسكك الحديدية، منذ عقود، وقد اتخذت العلاقة بين البلدين شكلًا أكثر عمقًا فى السنوات الأخيرة، ومن أهم الخطوات التى شهدتها زيارة رئيس وزراء المجر لمصر، وبجانب تعاقد مصر مع المجر لتوريد 1350 عربة قطار سكك حديد من المجر تطرقت المباحثات إلى ضرورة بحث سبل التعاون المشترك لتوطين صناعة عربات السكك الحديدية فى مصر، وهى خطوة تمثل خيارًا مصريًا مع كل الشركات والمستثمرين فى أوروبا ودول العالم، حيث يحرص الرئيس على توطين الصناعات ونقل الخبرات الفنية إلى مصر، وزيادة عدد المنح الدراسية الجامعية وما بعد الجامعية المقدمة لمصر من المجر.
رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، عبر عن سعادته بالتعاون مع مصر فى مجال الصناعة، وأن التعاون لا يشكل تجارة فقط، لكن «سنأتى إلى مصر لتأسيس شركات مجرية مصرية مشتركة ونوطن صناعة منتجات ذات جودة عالية، خاصة أنه تم إنشاء منتدى رجال أعمال مصرى مجرى يضم 86 شركة مجرية ومصرية».
هذه الزيارة، وما ترتب عنها من مذكرات تفاهم، وما سبقها من تعاون، تشير إلى خطوات جادة لصالح البلدين، مع توافق مصر والمجر تجاه القضايا الإقليمية والدولية، ورغبة فى توسيع التعاون إلى شراكة صناعية تدعم توطين الصناعة وتبادل الخبرات.