فى عصر المنصات والنشر الكثيف، تتداخل الحقائق والأكاذيب، والمعلومات بالشائعات، هناك من يصدق أو يتساءل، أو يروج بلا تفكير، قبل أيام انتشر بوست على منصات التواصل، حول مصنع كبير أغلقت أبوابه ورحل من مصر، البوست خلا من أى معلومات، باستثناء أنه يعمل فى إنتاج ماكينات التعبئة والتغليف، ويصدر إنتاجه إلى كل دول العالم فى آسيا وأوروبا، ولم يذكر أى تفاصيل ولا مكان ولا اسم المصنع، وتعمد ناشره أن يكون غامضًا، كالعادة تلقت بعض الحسابات البوست الذى صدر عن منصة تزدحم بكم هائل من الأكاذيب والشائعات، مثل باقى منصات الشائعات، وتلقفته سيدة من خارج مصر ونشرته باعتبارها صاحبة المصنع، وكالعادة كانت هناك لجان تعيد نشره وتشييره، ووقع فى الفخ عدد من كبار عمقاء الندب وتساءلوا، ولم يفكر أى منهم فى البحث أو التحليل قبل النشر.
المهم أن الأمر وصل إلى رئاسة الوزراء وتم البحث عن المصنع المزعوم، وخرج الزميل هانى يونس مستشار رئيس الوزراء، وكتب على صفحته: «تواصلا مع ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعى، ومنعًا للشائعات والبلبلة، أى حد عنده معلومة عن المصنع ده إن وجد، يرسل لى، وسيتم التواصل فورًا لحل مشكلته»، وقال يونس إن رئيس الوزراء يتابع أى مطالب للمصانع المتعثرة أو المغلقة، وتم حل 80% منها.
المهم أن كل الجهات بحثت عن أى مصنع بهذا الشكل لم يجدوا، وحتى السيدة التى نشرت البوست عادت لتنفى علاقتها به، وأنها نشرته ولا تعرف تفاصيله، واتضح أنه لا يوجد أى مصنع بهذا الشكل، وأن البوست كله وهمى مثل كثير من البوستات التى تخترع وقائع وتعلن عن أشياء غير موجودة، وأن هذه المنصات تعتمد عادة على أن هناك كتائب مستعدة للنشر، وأن بعضهم يعيدون النشر بلا تفكير، بسذاجة أو سوء نية، أو بحثا عن لايكات، ورغبة فى الظهور بصورة المتابع الذى يهتم لمصالح الناس.
ولحسن الحظ أن الجهات المسؤولة تحركت وبحثت وردت، مثلما يحدث مع كثير من الشائعات التى تصدر من نقاط سوداء ولجان مهمتها صناعة الشائعات والأكاذيب وترويجها، وطبعًا هناك قنوات ومحترفون فى قنوات ومواقع جاهزون للنفخ فى هذه الأكاذيب، وإفراد مساحات ووقت لإعادة ممارسة اللطميات.
قصة المصنع الوهمى، يوجد مثلها كثير، ربما لم تجد من يتابعها أو يرد عليها، والسيدة التى نشرت البوست والمنصة التى اخترعته وروجته، هى أمثلة على كيفية صناعة وترويج الأكاذيب، حول الاقتصاد والأسعار والسلع، والطعام والشراب والتعليم وكل تصرف، وهى بوستات وفيديوهات مجهولة المنشأ، تراهن على وجود سذج أو هواة شهرة وخبراء عمق يريدون الظهور فيعيدون نشر هذه البوستات بلا عقل أو تفكير، ويكفى أن نقرأ كم التعليقات عندما راج البوست، ثم نفس الأشخاص بعد التأكد من أنه مزيف وكاذب ووهمى.
الشاهد فى هذه القصة وأمثالها أننا أمام منصات تستغل أزمة عالمية وقرارات لصناعة أوهام إضافية ونشر الإحباط والغضب، وليس مساندة الصناعة والاستثمار، وفيما يتعلق بالسلع أو الأسعار هناك معلومات معلنة وبيانات، ومن لديه شكوى أو طلب يعلنه بمعلومات عن المكان والاسم والنشاط، ونفس الأمر فيما يتعلق بالسلع والأسعار والاستيراد والصناعة المحلية.
لكن الواقع أن هذه المنصات لا يهمها اقتصاد أو مصالح ناس، وإنما استمرار ضخ الأكاذيب والشائعات، لكن فى نفس الوقت، مثلما هناك مخدوعون وسذج ومدعون يرددون الأكاذيب بلا عقل، هناك جمهور كبير يستحق التحية، لأنهم يتعاملون بالمنطق وبالعقل والوعى ويجرون عمليات بحث وتفنيد، مثلما جرى مع المصنع الوهمى، أو قناة السويس أو غيرها، ويبحثون وراءها ويتطوعون بالرد والتفنيد، لكن الأهم أن القصة تؤكد أن الشائعات تقتلها المعلومات وعدم ترك أى بوست وهمى بلا رد.