يواجه التقدم التكنولوجي للصين منافسة عالمية وقيودًا متزايدة من الحكومات الأجنبية مثل الولايات المتحدة، لكن هذا القطاع تعرض أيضًا للإعاقة بسبب الإجراءات الصارمة والضوابط التي تفرضها بكين، ما دفع الرئيس الصيني شي جين بينج في اجتماع سياسي سنوي للقول أنه يجب علي بلاده العمل لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وفي خطاب ألقاه أمام اجتماع مغلق للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني (NPC) قال الرئيس الصيني شي جين بينج إنه يتعين على بلاده الإسراع في تطوير العلوم والتكنولوجيا، وأشار إلى أن زيادة الاعتماد على الذات والقوة في مجال العلوم والتكنولوجيا هو السبيل إلى دفع "التنمية عالية الجودة" وبناء الصين في بلد "اشتراكي حديث عظيم".
وتابع: "لفتح مجالات جديدة وساحات جديدة في التنمية وتعزيز محركات النمو الجديدة ونقاط القوة الجديدة في مواجهة المنافسة الدولية الشرسة ، يجب أن تعتمد الصين في نهاية المطاف على الابتكار العلمي والتكنولوجي" ، ودعا إلى زيادة التعاون بين الصناعة والأوساط الأكاديمية ومعاهد البحوث الصينية لدعم "البحوث الأصلية والرائدة".
بدأ الاجتماع السياسي السنوي للبرلمان الصيني المصدق يوم الأحد، وسيستمر حتى الأسبوع المقبل، ويعقد الاجتماع - الذي يتزامن مع التجمع السنوي للهيئة الاستشارية للحزب الشيوعي الصيني (CCP) لحدث يُعرف باسم "الدورتين" - إلى حد كبير خلف أبواب مغلقة.
حتى الآن ، كانت الاستدامة الذاتية في عدة مجالات هي الأولوية للقيادة الصينية خلال الحدث السياسي .
وفقا لصحيفة الجارديان، من بين المخاوف القيود الأمريكية المفروضة على وصول الصين إلى الرقائق التكنولوجية الأمريكية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لأسباب تتعلق بالأمن القومي ، فضلاً عن العقوبات الأجنبية أو القيود المفروضة على بعض الشركات والمسؤولين الصينيين بشأن علامات دعم روسيا في غزوها لأوكرانيا الأخيرة بعد تداول معلومات استخباراتية تفيد ان بكين قد تمد موسكو بطائرات بدون طيار، وردت بكين باستنكار استخدام العقوبات.
وذكرت وسائل الإعلام الصينية ما وصفه المحللون بأنه شعار سياسي جديد محتمل ، "لا بد من امتلاكهما" ، مستشهدة بالتصنيع وإمدادات الحبوب والغذاء التي يمكن الاعتماد عليها والتي ليست عرضة للأسواق الدولية، وشهدت مسودة أرقام الميزانية التي تم الإعلان عنها يوم الأحد زيادة بأكثر من 13% في تمويل التخزين الوطني للحبوب والبنود الأساسية الأخرى على راسها التسليح.
وجاءت تعليقات الرئيس الصيني متماشية مع خطاب تقرير العمل الذي ألقاه في اليوم السابق رئيس الوزراء المنتهية ولايته، لي كه تشيانج، الذي دعا إلى تحسينات في تعبئة الموارد على المستوى الوطني في هذا القطاع.
كما أعلنت وزارة المالية ومخطط الدولة عن زيادات متواضعة في الميزانية لقطاع التكنولوجيا ، وتسريع بناء البنية التحتية للتكنولوجيا الصلبة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، و 5 G والبيانات الضخمة.
وظهرت التحديات في الحفاظ على السيطرة على قطاع التكنولوجيا وتدفق المعلومات على نطاق أوسع ، مع الضغط أيضًا من أجل مزيد من الابتكار، في السباق لتطوير روبوتات دردشة الذكاء الاصطناعي. سلط ظهور ChatGPT التي تحظى بشعبية كبيرة ومقرها الولايات المتحدة - والرقابة اللاحقة لها في الصين - الضوء على الصعوبات التي تواجهها شركات التكنولوجيا الصينية في تطوير شركاتها الخاصة دون إزعاج للحكومة.
وقال وزير العلوم والتكنولوجيا وانج تشيجانج إن على الصين أن "تنتظر وترى" ما إذا كان يمكنها تطوير نفس النتائج مثل ChatGPT ، مضيفًا أن قدرتها على تحقيق النتائج في الوقت الفعلي "كان من الصعب جدًا الوصول اليها".
وقال الباحث السياسي الصيني رونج هوان ان الأسباب التي دفعت الصين لزيادة انفاقها العسكري الى الحاجة لبناء القدرات الدفاعية، إلى جانب ما أطلق عليه التحديات الأمنية المعقدة وتشمل التحالفات العسكرية حول الصين من قبل الولايات المتحدة وزيادة التواجد العسكري في منطقة اسيا وزيادة الانفاق العسكري في اليابان.
وقال إن الصين تزيد إنفاقها العسكري بشكل طفيف من أجل الدفاع عن نفسها، وهي تسعى للحفاظ على السلام والاستقرار في آسيا والمحيط الهادي، وجعلها منطقة تنمية لا منطقة للصراع الجيوسياسي، نافيا الاتهامات الغربية لها بزيادة الإنفاق العسكري بهدف الهيمنة وتهديد جيرانها.
وبحسب التقرير، أعلنت الصين أن ميزانيتها العسكرية -وهي الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة- سترتفع بنسبة 7.2% عام 2023. وتخطط بكين لإنفاق تريليون و553 مليار يوان (224 مليار دولار) على دفاعها، أي أقل 3 مرات من الميزانية الدفاعية الأميركية.
ونفى هوان في السياق ذاته الاتهامات التي توجه للصين بأنها تقدم مساعدات عسكرية لروسيا، قائلا إنها لا تقدم مساعدات لا لروسيا ولا لأوكرانيا، وأنها تحث كل الأطراف على وقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات، وهو السبيل لإنهاء الأزمة.
على الجانب الآخر، اتهم ديفيد سيدني نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الأمن القومي في آسيا بكين بمحاولة استخدام جيشها لتهديد الدول الأخرى المجاورة لها مثل كوريا الجنوبية واليابان، مؤكدا أنها لا تواجه تحديات مثل الولايات المتحدة وحلفائها، ورغم ذلك تقوم بزيادة أنشطتها العسكرية وتهدد تايوان، مما يشكل تهديدا لاستقرار المنطقة.
وقال دافيس فافاشان محلل الشؤون الأمنية والدفاعية والباحث المختص في شؤون جنوب شرق آسيا، فإن الصين كغيرها من الدول تراقب عن كثب النزاع الجاري في أوكرانيا، وهي تعمل على تسليح نفسها آخذة في الاعتبار دورها وقوتها في أكثر المناطق سخونة.
ولم يستبعد فافاشان إمكانية انزلاق التنافس والتصعيد الجاري إلى مواجهة وزعزعة الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادي، خاصة في ظل الحرب في أوكرانيا وسباق التسلح في المنطقة بين مجموعة الولايات المتحدة وحلفائها (اليابان وكوريا الجنوبية) من جهة والصين وكوريا الشمالية من جهة أخرى.
ووفق تقارير المعهد الدولي للبحث حول السلام في ستوكهولم، فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة التي تخصص أكبر نفقات عسكرية في العالم، بلغت 801 مليار دولار عام 2021، تليها الصين بإنفاق يعادل 293 مليار دولار، ثم الهند بإنفاق عسكري يفوق 76 مليار دولار، فالمملكة المتحدة بأكثر من 68 مليار دولار، لتأتي بعدها روسيا بنحو 66 مليار دولار، ومن بعد ذلك فرنسا بأكثر من 56 مليار دولار.