كان الرئيس جمال عبدالناصر، يترأس اجتماع مجلس الوزراء يوم 9 مارس، مثل هذا اليوم، 1969، واتصل مكتبه بقاعة اجتماع المجلس تليفونيا، لأن هناك أمرا مهما يقتضى إبلاغه للرئيس فورا، حسبما تذكر «الأهرام» يوم 10 مارس 1969.. تكشف: «تحولت المكالمة إلى تليفون بجوار مقعد الرئيس فى قاعة الجلسة، ووضع الرئيس سماعة التليفون وعلم منه أعضاء مجلس الوزراء بما حدث».
كان الخبر صاعقا، وهو استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، بعد أقل من عامين من اختيار عبدالناصر له مع الفريق أول محمد فوزى وزيرا لمهمة إعادة بناء الجيش المصرى بعد هزيمة 5 يونيو 1967.
يذكر الكاتب الصحفى عبدالله السناوى، نقلا عن محمد حسنين هيكل: «كان رياض هو الرجل الذى توصل إلى أنه إن لم يكن بوسع قواتنا مجاراة إسرائيل فى قدرة سلاحها الجوى فإن بمقدورها إلغاء أثره، وفارق تفوقه اعتمادا على الدفاع الجوى وشبكة صواريخ متقدمة، وهو الرجل الذى وضع الخطوط الرئيسية لخطة عبور قناة السويس وتحرير سيناء التى طورها الفريق سعد الدين الشاذلى فى حرب أكتوبر».
هكذا علينا أن نتخيل مدى فاجعة خبر استشهاد هذا القائد العسكرى الاستثنائى.. تذكر «الأهرام» أن اجتماع مجلس الوزراء تأجل، وتوجه الرئيس جمال عبدالناصر من القصر الجمهورى بالقبة إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، ومعه الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية، وكان حاضرا جلسة المجلس لكى يدلى بتقرير سير العمليات العسكرية على الجبهة.
وتوضح «الأهرام»، سبب سفر «رياض» إلى الجبهة، قائلة: إنه توجه فى الساعة الحادية عشرة صباحا، يوم «9 مارس»، إلى الجبهة بطائرة هليكوبتر، وتضيف: «كان تقدير هيئة أركان الحرب أن اليوم سوف يكون مشحونا على جبهة القتال، ورأى الفريق رياض أن يكون فى الجبهة بنفسه، وكشفت «الأهرام» أن الطائرة هبطت فى أحد المطارات المتقدمة، ومنه استقل «رياض» سيارة عسكرية إلى بعض مواقع الجبهة، وعندما بدأ القتال فى الساعة الثالثة والثلث من بعد الظهر، وعرف الفريق رياض أن تركيز العدو كان على المناطق المدنية فى الإسماعيلية وفى السويس، ويريد العدو أن ينتقم لبعض خسائره الفادحة فى معارك أمس الأول، قرر التوجه إلى الإسماعيلية.
وتضيف «الأهرام»: «كانت المدفعية المصرية قد بدأت ترد بشدة وتدمر مواقع العدو على الجانب الآخر من خط المواجهة بتركيز بالغ الشدة، ملحقة به خسائر هى فى تقدير الخبراء الذين تابعوا العمليات أقسى ما تعرض له العدو، وأشد ما واجهه، وفى الساعة الخامسة كان «رياض» فى مواقع الإسماعيلية، وتقدم بنفسه إلى الموقع المعروف بجوار المعدية رقم 6، وهو على شاطئ القناة مباشرة، وراح من هناك يتابع سير معركة ممتازة ضد العدو، وفجأة سقطت قنبلة مباشرة على الموقع، وكانت إصابة الفريق رياض مباشرة وقاتلة»، تؤكد «الأهرام»: «الغريب أن أحدا من الذين كانوا معه فى نفس الموقع لم يصب بشىء فيما عدا جراح طفيفة، وحاول الذين كانوا فى الموقع معه أن يفعلوا أى شىء فى وسعهم ثم نقلوه بسيارته إلى مستشفى الإسماعيلية، حيث بذل كل الأطباء جهودهم، ولكنه أسلم الروح بعد وصوله إلى المستشفى بدقائق».
بعد إبلاغ الرئيس بالنبأ الحزين، أصدر بيانه بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة ينعى فيه القائد الشجاع إلى الأمة العربية، قال فيه: «فقدت الجمهورية العربية أمس جنديا من أشجع جنودها وأكثرهم بسالة، وهو الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وكان فى جبهة القتال أمس، وأبت عليه شجاعته ألا أن يتقدم إلى الخط الأول، بينما كانت معارك المتابعة على أشدها، وسقطت إحدى قنابل المدفعية المعادية على الموقع الذى كان الفريق عبدالمنعم رياض يقف فيه، وشاء قضاء الله وقدره أن يصاب وأن تكون إصابته قاتلة.. إن الرئيس جمال عبدالناصر ينعى للأمة العربية رجلا كانت له همة الأبطال تمثل فيه كل خصال شعبه وقدراته وآماله، إن الجمهورية العربية المتحدة تقدم عبدالمنعم رياض إلى رحاب الشهادة من أجل الوطن راضية مؤمنة واثقة بأن طريق النصر هو طريق التضحيات.. لقد كان من دواعى الشرف أن قدم عبدالمنعم رياض حياته للفداء وللواجب فى يوم مجيد استطاعت فيه القوات المسلحة أن تلحق بالعدو خسائر تعتبر من أشد ما تعرض له، لقد وقع الجندى الباسل فى ساحة المعركة ومن حوله جنوده من رجال وطنه يقوم بالواجب أعظم وأكرم ما يكون من أجل يوم اجتمعت عليه إرادة أمتهم العربية، والتقى عليه تصميمها قسما على التحرير كاملا وعهدا بالنصر، عزيزا مهما يكن الثمن ومهما كانت التضحيات».