تتواصل انعكاسات الأزمة العالمية على حركة الاقتصاد بالعالم ضمن أزمة غير مسبوقة، وبينما كانت هناك تصورات بأن الاقتصاد الأمريكى يمكنه التعامل مع الأزمة ومعالجة التباطؤ والتضخم، تم الإعلان عن إفلاس بنك «سيلكون فالى» أحد أكبر بنوك أمريكا، حيث يحتل المرتبة السادسة ضمن البنوك الأمريكية الأكثر إقراضا فى الولايات المتحدة، وتتداخل تحليلات الخبراء، عما إذا كانت الأزمة ستتوقف على البنك أم أنها قد تمتد لمؤسسات أخرى، خاصة فى ظل أزمة وتباطؤ فى الاقتصاد بعد رفع الفائدة، عما إذا كانت هذه التحولات ضمن انعكاسات الأزمة العالمية الناتجة عن حرب روسيا / أوكرانيا، أم أنها تأتى نتيجة تراكمات وتوسع لودائع البنوك مع غياب التأمين الكافى.
وحسب تحليل لمجلة الإيكونوميست البريطانية، فإن سبب الأزمة التى تعرض لها بنك SVP، وهى أكبر عملية انهيار لبنك أمريكى منذ الأزمة المالية فى 2008، يرجع إلى أن ودائعه تضاعفت أكثر من 4 مرات خلال 4 سنوات «من 44 مليار دولار فى 2017 إلى 189 مليارا فى نهاية 2021 ،«بينما نمت قروضه للشركات الناشئة من 23 مليار دولار إلى 66 مليارا.
ونظرا لأن البنوك تجنى الأرباح من الفارق بين سعر الفائدة الذى تدفعه على الودائع والسعر الذى يدفعه المقترضون، فإن وجود قاعدة ودائع أكبر بكثير من القروض يمثل مشكلة يقتضى حلها حصول «سيليكون فالى» على أصول أخرى تحمل فائدة، وهو ما دفع البنك للاستثمار بنهاية 2021 بمبلغ 128 مليار دولار، معظمها فى سندات الرهن العقارى وسندات الخزانة بأسعار مرتفعة، ثم تغير العالم وفقا لتقرير «إيكونوميست»، وارتفعت أسعار الفائدة مع ترسخ التضخم وانخفضت أسعار السندات، مما ترك بنك «إس فى بى» مكشوفا بشكل فريد، وخفض العملاء ودائعهم من 189 مليار دولار فى نهاية عام 2021 إلى 173 مليارا فى نهاية عام 2022.
واضطر البنك لبيع محفظته من السندات السائلة بالكامل بأسعار أقل مما كانت، متكبدا خسائر بلغت نحو 8.1 مليار دولار تركت فجوة حاول سدها بزيادة رأس المال، لكنه فشل وأعلن إفلاسه، وبعد قرار الاحتياطى الفيدرالى «المركزى الأمريكى» رفع الفائدة، اضطر المودعون لسحب قسم من ودائعهم لتغطية النفقات المترتبة على خدمة ديونهم وسط قلق من ركود اقتصادى يلوح فى الأفق.
وبعد «سيليكون فالى» أعلن مصرف «سيجنيتشر»، أحد مصرفين أمريكيين تتعامل معهما شركات العملات المشفرة، كنتيجة لإفلاس بنك سيليكون فالى، وفقدان الثقة بقطاع التكنولوجيا وبسلامة أوضاع المصارف المتعاملة مع الاستثمارات غير المحسوسة، ليكون ثانى بنك أمريكى يفلس فى غضون بضعة أيام، وهو الثالث منذ إفلاس «واشنطن ميوتشوال» فى 2008 ،وبلغت قيمة الودائع فى «سيجنيتشر» نهاية العام الماضى نحو 89 مليار دولار.
إفلاس «سيليكون فالى» يشير إلى وجود احتمالات لحدوث إفلاس فى مؤسسات مالية أخرى فى الولايات المتحدة، ليتجدد الخوف من إعادة سيناريو الأزمة العالمية فى 2008، وانتشرت قوائم البنوك على الإنترنت التى قد تواجه نفس مشكلات «سيليكون فالى»، مع استمرار التوتر ينتشر فى الأسواق على الرغم من الإجراءات التى اتخذتها السلطات الأمريكية لطمأنة الأسواق وضمان استقرار القطاع المصرفى فى الولايات المتحدة، وقد تدخلت الإدارة الأمريكية بسلسلة من تدابري الطوارئ لتعزيز الثقة فى القطاع المصرفى بعدما أنذر إفلاس بنك «سيليكون فالى» بإثارة أزمة على نطاق أوسع.
الجهات التنظيمية الأمريكية أعلنت أن عملاء البنك المفلس سيتمكنون من الوصول إلى ودائعهم بدءا من الاثنني الماضى، كما أنشأت الجهات التنظيمية منشأة جديدة حتى يمكن للمصارف الحصول على تمويلات الطوارئ، وقالت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، إنها «تراقب حاليا عدة بنوك فى ضوء ما حدث لـ«سيليكون فالى»، وأنه لا يوجد خطر على تلك البنوك فى الوقت الراهن.
بالطبع فقد أثر إعلان إفلاس بنك سيليكون فالى على الاقتصاد فى أمريكا، فضلا عن تأثيراته على ودائع من خارج أمريكا، حيث أعلنت دول مختلفة عدم وجود علاقة أو ودائع فى سيليكون فالى، لكن التوقع أن تظهر نتائج ذلك، ومدى ارتباطه بالأزمة العالمية، والقدرة على محاصرة أزمة تثير شبح أزمة 2008 ،ومدى تأثري ذلك على أسعار العملات والذهب، والبورصات العالمية.