أسرار القاهرة.. حانات وبارات ومقاهى القاهرة القديمة.. عرفت مصر اللهو والمرح مع الفاطميين ثم الأيوبيين والأجانب المقيمون بالقاهرة أنشأوا البارات على النمط الأوروبى.. والمصريون بنو المقاهى وحافظوا على ا

القاهرة.. العامرة.. الساهرة.. الساحرة.. لها من عبق الماضى تاريخ يمتد لقرون من الزمان، مر عليها العديد من الغزاة منهم من بنى وعمر ومنهم من خرب ودمر، ومع ذلك لم يستطيعوا إطفاء قناديل البهجة فى صدور المصريين، فقد عرفت مصر اللهو والمرح مع الفاطميين ثم الأيوبيين وقاهرة المماليك والعثمانيين كانت تفرح وتطرب، وعند نزول نابليون وجنوده القاهرة عام 1798م وجد أعراسا بالطبول والمزامير فقال: "عجبت لهذا البلد الذى لا يعرف الحزن أبدا"، فاختلط جنود الحملة الفرنسية بالمصريين حتى ترسخت عادات الفرنجة التى تمثلت فى إنشاء أماكن الرقص وشرب الخمر، حتى الاحتلال الإنجليزى لمصر عام 1882م لم ينجح فى تحطيم عشق المصريين للترويح عن أنفسهم، فهم لم يتوقفوا عن تشييد أماكن مخصصة للهو والرقص، أماكن ظلت صامدة محتضنة بعض مقتنيات الذين شيدوها من الأجانب، حتى بعد أن غادروا مصر المحروسة، ضمن سلسلةأسرار القاهرةنستعرض عبقرية المكان متمثلة فى بارات وسط البلد وحانات القاهرة القديمة. كانت الحانات فى عصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك تقع فى قلب القاهرة لوجود معاصر الخمر، إذ افتتحت حانات كثيرة فى عدة حوار وأحياء مثل حارة الروم، وحارة النصارى، وقنطرة الوز، وبركة الأزبكية، وبركة الحبش فى طريق المعادى وبركة الفيل القريبة من السيدة زينب وكان يديرها غير المسلمين من الأقباط واليهود، إلا أن معظم الحانات القديمة قد غدر به الزمن وأطاح بها من فوق خريطة القاهرة سواء الفاطمية أو الخديوية. عرفت القاهرة الخدوية بانتشار البارات نظرا لتواجد الأجانب الذين ساهموا فى انتشارها بداية من تأسيسها وتطويرها طيلة فترة غقامتهم فى مصر، ويعتبر "بار دير أكاتوس" الذى كان يقع فى شارع "وش البركة" المعروف حاليا بنجيب الريحانى حيث أنشئت نافورة جميلة بجواره، ومن أهم رواده الملك فؤاد الذى كان يهوى البار لوجود الصميت المملح الذى يعشقه باعتباره مزة فى أثناء تناوله الخمر. أما "بار أجبسيان" فكان فى شارع نجيب الريحانى عند تقاطعه مع شارع المهدى، وقد امتاز هذا البار بأن كل الخدم من النساء الأجنبيات الجميلات اللاتى يعزفن موسيقى بيتهوفين، ويذكر أن هذا البار يعد أول بار يستعين بالآلات الموسيقية الغربية رغم ارتفاع ثمن خموره وكان من أهم رواده الخديو عباس حلمى الثانى ورجال قصره، وسليم السلحدار أحد أثرياء ذلك الزمان الذى كان يصطحب معه حاشية تبلغ 10 أشخاص. فى أوائل القرن العشرين افتتح بار سان جيمس بشارع 26 يوليو وبنيت على أنقاضه عمارة الجندول التى كان يمتلكها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وفى مكان محلات شيكوريل يوجد بار "صولت" الذى كان مميزا بالحضور الكثيف للنساء الأجنبيات الموزعات على الموائد فى انتظار الرجال فيرقصن معهم مقابل إطعامهن، ومن أهم رواد هذا البار أمير الشعراء أحمد شوقى. أما "بار بافاريا" فكان يقع مكان عمارة الأوقاف الحالية، وقد أنشأه رجل أعمال يهودى متزوج من سيدة رومانية، فى حين يوجد "بار باريزيانا" فى شارع الألفى بك. تخيل أن النجم العالمى روبرت تايلور جلس فى بار إستوريل عند زيارته إلى القاهرة، وقد افتتح هذا البار فى القرن الماضى بشارع طلعت حرب وبالتحديد فى رقم 12 وما زال أصحابه الحاليون يحافظون على شكله ومواعيده القديمة من حيث الفتح والإغلاق فالساعة 12 مساء هو ميعاد آخر مشروب بحيث تغلق الأبواب فى الثانية عشرة والنصف مساء، اسمه يرجع إلى مدينة إستوريل البرتغالية. أما النجمة زوزو ماضى فكانت تملك "بار جامايكا" الذى يقع فى شارع البنك الأهلى المتفرع من شارع شريف، واسم البار يرجع لأحد بلدان أمريكا الشمالية التى تتسم بالموسيقى الهادئة، وفى الستينات أغلق البار لفترة من الزمن لخروجه عن سياق الآداب المتبعة. "بار الكاب دور" يقع فى شارع عبدالخالق ثروت، وقد أنشئ فى ثلاثينيات القرن الماضى، إذ تعود تسميته إلى الترجمة الفرنسية الرأس الذهبية، وهو يمتاز بصالة جميلة مزدانة بنقوش تفوح منها عطر الزمن القديم. نأتى إلى "بار ستيلا" أحد أشهر البارات القائمة حتى الآن وقد أنشأه رجل أعمال يونانى بعد أن تزوج من سيدة مصرية عام 1955، وما زالت ابنته إيرينى تديره حتى الآن، وهو يقع بشارع طلعت حرب، لكن المثير أن صاحبه أسسه ليكون مخزنا للبيرة، وسرعان ما حوله إلى بار وما زال يطلق عليه حتى الآن بار المخزن، وتجده مكتظا بالمثقفين والمفكرين والأدباء، ومن أشهر من تعود على ارتياده الشاعر الثائر أمل دنقل والشاعر الرائد محمد عفيفى مطر والناقد فاروق عبدالقادر، أما نجيب سرور فكان يلقى قصائده الفاحشة بصوت هادئ فى أحد أركان هذا البار! يقع "بار البامبو" فى شارع طلعت حرب أمام الأمريكيين، وكان مركزا لتجمع الإيطاليين، وهو مكون من طابقين، ومعظم رواده من المطربين والراقصات الأجانب، حيث يواصلون بروفاتهم قبل بدء عروضهم الفنية، وكان "بارالبيروكيه" أشهر مرقص وبار فى مصر لوجود الراقصات الغربيات، ولكنه هدم وانتصب على أنقاضه مول طلعت حرب التجارى. اما "بار الجريون" الذى أنشئ عام 1948 بشارع قصر النيل رقم 8 وما زال محتلا فئة البارات خمس نجوم ومعروف بتقديمه المأكولات الغربية و"بار الأنجلو" الذى كان مشهورًا بشرابه المعتق ذى الرائحة المميزة، إضافة إلى جودة الخدمة المقدمة من أصحابه، وهو بار أنيق مكون من طابقين كان من أشهر رواده الشاعر كامل الشناوى والممثل توفيق الدقن، وقد أغلق عام 2009 اما المقاهى القديمة فى القاهرة الخديوية كان لها نصيب كبير لعامة الشعب من العمال ففى ميدان العتبة، خلف الأوبرا الخديوية كانت تقع مقهى سانتى فى حديقة الأزبكية، كان له نكهته الخاصة، وكذلك مقهى ماتاتيا الأسطورى، الذى سمى على اسم المالك اليونانى كان يُعرف مقهى Mattatia فى الأصل باسم Post Café.وكان يتردد عليها شخصيات تاريخية مثل جمال الدين الأفغانى وعبدالله النديم ومحمد عبده ويعقوب صانو وسعد باشا زغلول وعباس العقاد ونجيب محفوظ وغيرهم، وبجانب ماتاتيا كان هناك مكان شهير آخر، مقهى Mukhtalata.سمى على اسم مبنى المحاكم المختلطة الذى كان موجودًا فى الساحة حتى الثلاثينيات، فقبل عصر دور السينما وأجهزة الراديو، كانت المقاهى التقليدية فى الشرق الأوسط تقدم شكلًا من أشكال الترفيه الخفيف. فى مثل هذه الأماكن، لم يكن من غير المألوف العثور على خيال الزيل "دمى الظل"، والغوازى "راقصات الشوارع" والحكواتى "رواة القصص" فيه يروون قصة الصرة الهلالية "ملحمة هلالية الشعبية"، والظاهر بيبرس وعنترة بن شداد "الأسطورة العربية الشعبية" وذلك على الربابة الآلة الموسيقية الشعبية التى كانت تصاحب رواة القصص عادة لتقديم خلفية موسيقية لحكاياتهم. اما ميدان التحرير والشوارع المتفرعة منه كانت موطنًا للشباب الذين يتجمعون على مقهى أسترا، الكائن فى المبنى البحرى الشهير الذى يطل على ميدان التحرير منذ الثلاثينيات، ومقهى إيزايويتش، الذى سمى على اسم مالكه، وذلك حسبما ذكر كتاب مقاهى الصفوة والحرافيش "مقاهى الاختيار" للمخرج عيد عبد الحليم. المقهى التقليدى الوحيد المتبقى فى ميدان التحرير هو مقابل المتحف المصرى، هو مقهى التحرير، الذى أسسته عائلة محروس عام 1933، والغريب أنه يُعرف بأنه مكان تجمع للمثقفين والمرشدين السياحيين وعلماء الآثار فى المتحف. وبدأت ثقافة المقهى الحديث المصمم على الطراز الغربى فى حى الأزبكية وسط القاهرة. تُظهر الصور الفوتوغرافية من تلك الفترة أن هذه المقاهى عادةً ما كانت لها واجهة مماثلة تتميز بحاجز خشبى يفصل بين المساحة الداخلية حيث يتم إعداد المشروبات والمساحة الخارجية حيث يجلس العملاء ويدخنون الشيشة أو يلعبون طاولة الزهر، وذلك حسبما ذكر كتاب مقاهى القاهرة لعبد المنعم شميس. وفى شارع التياترو المعروف حاليا بشارع حمدى سيف النصر فكان يوجد مقهى وبار جراسمو، ثم اصبح اسمه مقهى وبار الخديوية، نسبة الى دار الاوبرا الخديوية وكان من رواده عبدالرحمن الكواكبي, الشيخ محمد عبده, الزعيم سعد باشا زغلول، أحمد زكى باشا وهو الملقب بشيخ العروبة كما أنه صاحب المكتبة الزكية الموجودة بدار الكتب، والشاعر حافظ ابراهيم، رجال وزارة المعارف، فيما استمر مقهى وبار الخديوية حتى النهاية بعكس مقهى متاتيا المجاور له. اما الواجهة الغربية المطلة على دار الاوبرا فكان يوجد بها بارات صغيرة اقل شهرة كان يغشاها من يريدون الاستماع المجانى الى اشهر المعزوفات العالمية من الاوركسترا التى كانت تصدح من شبابيك دار الاوبرا, وذلك فى عصر لم يكن الراديو قد انتشر بعد.

اما ادوار عمارة متاتيا فقد هدمت بعد تصدع هذه العمارة التاريخية فى زلزال1992/10/12 وبقيت الدكاكين على الجوانب الاربعة يشغلها اصحابها الى أن قامت محافظة القاهرة في1999/4/21 بإخلائها وتعويض اصحابها والبدء فى هدمها تنفيذا لقرار رئيس الوزراء بمناسبة تنفيذ مشروع نفقى شارع الازهر عمرو مختار يذكر تفاوالآخر وفقًا لهذين العملين، غالبًا ما كانت مقاهى القاهرة تخصصت وفقًا لمهنة عملائها. على سبيل المثال، انتشرت مقاهى الحرفيين فى منطقة القلعة، وكانت مقاهى الموسيقيين فى شارع محمد على، بينما كانت مقاهى المثقفين فى حى الأزهر، وكان مقهى الفيشاوى أحد الأمثلة القليلة التى ما زالت موجودة. اما مقهى زهرة البستان اللموجود خلف مقى ريش من شارع صبرى أبو علم يوجد على مدار 80 عامًا هو تاريخ هذا المقهى الشهير، الذى كان نافذة للقاء الأدباء والشعراء، وملتقى اجتمعاتهم، ومازال، ويقع المقهى قرب ميدان طلعت حرب، خلف مقهى ريش، الشهير بندوات نجيب محفوظ الأسبوعية، فتجد فيه ناس من مختلف الطبقات والمجالات العملية والفكرية. كان يجلس على المقهى فى وقت سابق الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، وخيرى شلبى، وعلاء الأسوانى، وإبراهيم عبد المجيد وغيرهم، تجدهم يجلسون بين الناس ومع الناس دون حواجز وعلى طاولة واحدة، دون قيود. وتجد فى مقهى البستان أحلام الشباب تبدأ من هناك، فى جلسة سمر، أو جلسة نقاش، أو جلسة منفردة فى قراءة كتاب، أو تلحين أغنية، أو أى عمل أدبى أو فنى، تجد الأفكار تتعدد وتتكاثر، ويملأوها التفائل والحماس، بما يتمتع به المقهى من أجواء خيالية، حيث يجتمع مبار الأدباء بالشباب الصغير الذى ينتلك حلم وفكرة.
































الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;