لا يبدو أن الأزمات المتتالية التى تضرب الاقتصاد العالمى، سوف تتوقف، بل إن الأمر أصبح أقرب لجائحة، لا تتوقف حتى تصل ذروتها، ورغم أن السلطات الأمريكية تنفى أى علاقة بإفلاس بعض البنوك والأزمة العالمية، إلا أن مخاوف التدهور فى النظام المصرفى الأمريكى، تمثل هاجسا، يعيد التذكرة بأزمة انهيارات 2008، وقد تدخلت السلطات المصرفية والفيدرالية بسرعة عقب انهيار بنك سيليكون فالى، وسيجنتشر، بسبب تضخم الإيداعات على حساب الإقراض وخسارة البنك فى السندات التى تمثل أغلب أصوله، بعد رفع الفائدة من قبل الفيدرالى الأمريكى.
وانتقل الاضطراب إلى عدد آخر من البنوك، حيث اضطرت السلطات المعنية فى الولايات المتحدة لحماية إيداعات العملاء بعد انهيار البنكين، وتعهد الرئيس الأمريكى جو بايدن باتخاذ «كل ما يلزم» لحماية النظام المصرفى، وقال إن الأفراد والشركات الذين لديهم إيداعات لدى بنك سيليكون فالى يمكنهم إجراء التعاملات على أموالهم بعد أن تدخلت الحكومة لحماية إيداعاتهم بالكامل، وليس فقط 250 ألفا حسب ما تقرره شركات التأمين على الإيداعات، ومع هذا تراجعت أسهم بنك سانتاندر الإسبانى وكوميرسبانك الألمانى بنحو 10 فى المئة دفعة واحدة، كما عانى عدد من البنوك الأمريكية الأصغر حجما من خسائر أكبر من بنوك أوروبية رغم تأكيد جميع البنوك لعملائها أن لديها سيولة أكثر من اللازم توفر لها الحماية من الصدمات.
وانتقلت العدوى إلى بنك سيليكون فالى بريطانيا لكن تدخل بنك «إتش إس بى سى» بريطانيا لشراء البنك، على أن يتحمل التزامات البنك تجاه العملاء، وقال البنك الوطنى السويسرى إنه سيقدم ما يصل إلى 44 مليار جنيه إسترلينى من أموال الطوارئ لعملاق الإقراض المتعثر بنك «كريدى سويس»، الذى اعتبر متعثرا فى أعقاب انهيار بنوك أمريكية.
وأدى ذلك التذبذب إلى ظهور تكهنات بأن بنك الاحتياطى الفيدرالى قد يوقف خطته للاستمرار فى رفع الفائدة مؤقتا، وهى الخطة التى يتبعها الفيدرالى منذ فترة طويلة بهدف السيطرة على التضخم، وكجزء من تحركاتها لاستعادة الثقة، كشفت السلطات الأمريكية أيضا عن طريقة جديدة لمنح البنوك إمكانية الوصول إلى أموال الطوارئ، إذ يقول المجلس الاحتياطى الفيدرالى إنه سيقدم المساعدة من خلال برنامج جديد للتمويل البنكى لأجل، مما يسهل على البنوك الاقتراض منه فى حالة حدوث أزمات.
وقد رفعت البنوك المركزية فى جميع أنحاء العالم تكاليف الاقتراض بشكل حاد فى محاولة لكبح وتيرة ارتفاع الأسعار عمومًا، أو التضخم، وهى تحركات أضرت بقيم محافظ السندات الكبرى التى اشترتها البنوك عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة، وهو تغيير ساهم فى انهيار بنك «سيليكون فالى»، وأثار تساؤلات حول وضع بنوك أخرى.
وأدت توابع انهيار بنك «سيليكون فالى» لاستمرار خسائر أسهم البنوك العالمية ورغم تأكيدات الرئيس الأمريكى جو بايدن وصناع السياسات الآخرين فى تهدئة الأسواق، ودفعت لإعادة التفكير بشأن مستقبل أسعار الفائدة، وخفضت وكالة موديز للتصنيف الائتمانى توقعاتها للنظام المصرفى الأمريكى إلى نظرة «سلبية» بعد «مستقرة» مشيرة إلى أن بيئة التشغيل سريعة التدهور، وأوضحت أنها اتخذت هذا القرار فى ضوء سقوط البنوك الثلاثة، وهو ما يمثل خطرا.
وقد انتقلت عدوى مخاوف المودعين فى البنوك، رغم التطمينات الفيدرالية، وانتقلت إلى أوروبا، مع توقعات برفع جديد للفائدة، ربما يضاعف من أزمات البنوك الأمريكية والعالمية، والأزمة التى تتوسع، وتضرب باتجاهات عديدة، وتمثل جائحة جديدة تهدد الاقتصاد فى العالم.